يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم ، ثم أوحى الله إلى أرمياء : إني مهلك بني إسرائيل [بيافث](١) ، ويافث من أهل بابل ، وهم من ولد يافث بن نوح عليهالسلام ، فلما سمع أرمياء ذلك صاح وبكى وشقّ ثيابه ونبذ الرماد على رأسه ، فلما سمع الله تضرّعه وبكاءه ناداه يا أرمياء أشقّ عليك ما أوحيت إليك [من إهلاكهم](٢)؟ قال : نعم يا رب ، أهلكني قبل أن أرى في بني إسرائيل ما لا أسرّ به ، فقال الله تعالى : وعزّتي لا أهلك بني إسرائيل حتى يكون الأمر في ذلك من قبلك ، ففرح أرمياء بذلك وطابت نفسه ، فقال : لا والذي بعث موسى بالحق لا أرضى بهلاك بني إسرائيل ، ثم أتى الملك فأخبره بذلك وكان ملكا صالحا فاستبشر وفرح ، فقال : إن يعذّبنا ربّنا فبذنوب كثيرة ، وإن عفا عنّا فبرحمته ، ثم إنهم لبثوا بعد الوحي ثلاث سنين لم يزدادوا إلّا معصية وتماديا في الشر ، وذلك حين اقترب هلاكهم فقلّ الوحي ، ودعاهم الملك إلى التوبة [فتمادوا في غيّهم](٣) ، فسلّط الله عليهم بختنصر فخرج في ستمائة ألف راية يريد أهل بيت المقدس ، فلما فصل سائرا أتى الملك الخبر فقال لأرمياء : أين ما زعمت أنّ الله أوحى إليك [أن لا يهلك بني إسرائيل إلا بأمرك](٤) ، فقال أرمياء : إن الله لا يخلف الميعاد ، وأنا به واثق ، فلما قرب الأجل بعث الله إلى أرمياء ملكا قد تمثل له رجلا من بني إسرائيل ، فقال له أرمياء : من أنت؟ قال : أنا رجل من بني إسرائيل أتيتك أستفتيك في أهل رحمي ، وصلت أرحامهم ولم آت إليهم إلا حسنا ولا يزيدهم إكرامي إياهم إلا إسخاطا لي ، فأفتني فيهم ، فقال : أحسن فيما بينك وبين الله وصلهم وأبشر بخير ، فانصرف الملك فمكث أياما ثم أقبل إليه في صورة ذلك الرجل ، فقعد بين يديه ، فقال له أرمياء : من أنت؟ قال : أنا الرجل الذي أتيتك أستفتيك في شأن أهلي ، فقال له أرمياء : أما طهرت أخلاقهم لك بعد؟ فقال : يا نبيّ الله والذي بعثك بالحق ما أعلم كرامة يأتيها أحد من الناس إلى (٥) رحمه إلا قدّمتها إليهم وأفضل [من ذلك](٦) ، فقال له النبي أرمياء عليهالسلام : ارجع فأحسن إليهم واسأل الله الذي يصلح عباده الصالحين أن يصلحهم [لك](٧) ، فانصرف الملك ، فمكث أياما وقد نزل بختنصر وجنوده حول بيت المقدس بأكثر من الجراد ففزع منهم بنو إسرائيل ، فقال ملكهم لأرمياء : يا نبي الله أين ما وعدك الله؟ قال : إني بربّي واثق ، ثم أقبل الملك إلى أرمياء وهو قاعد على جدار بيت المقدس يضحك ويستبشر بنصر ربّه الذي وعده ، فقعد بين يديه ، فقال له أرمياء : من أنت؟ فقال : أنا الذي أتيتك في شأن أهلي مرتين ، فقال النبيّ : ألم يأن لهم أن يفيقوا من الذي هم فيه؟ فقال الملك : يا نبيّ الله كل شيء كان يصيبني منهم قبل اليوم كنت أصبر عليه ، فاليوم رأيتهم في عمل لا يرضي الله ، فقال النبيّ : على أي عمل رأيتهم؟ قال : على عمل عظيم من سخط الله ، فغضبت لله وأتيتك لأخبرك ، وإني أسألك بالله الذي بعثك بالحق نبيا إلا ما دعوت الله عليهم ليهلكهم ، فقال أرمياء : يا مالك السموات والأرض إن كانوا على حق وصواب فأبقهم ، وإن كانوا على عمل لا ترضاه فأهلكهم ، فلما خرجت الكلمة من في أرمياء أرسل الله صاعقة من السماء في بيت المقدس ، فالتهب مكان القربان [نارا](٧) وخسف بسبعة أبواب من أبوابها ، فلما رأى ذلك أرمياء صاح وشقّ ثيابه ونبذ الرماد على رأسه ، وقال : يا مالك السموات والأرض أين ميعادك الذي وعدتني به ، فنودي أنه لم يصبهم ما أصابهم إلا بفتياك ودعائك ، فاستيقن [أرمياء](٨) عليه
__________________
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) زيادة من المخطوط.
(٣) العبارة في المطبوع «فلم يفعلوا».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) وقع في المطبوع «إلا».
(٦) زيادة من المخطوط.
(٧) زيادة من المخطوط.
(٨) في المطبوع «النبي» بدل «أرمياء».