والآخرون بالتخفيف والهمز ، وقرأ أبو جعفر مشدّدا الزاي بلا همز ، وأراد بعض الجبال ، قال المفسّرون : أمر الله إبراهيم أن يذبح تلك الطيور ، وينتف ريشها ويقطعها ويخلط ريشها ودماءها ولحومها بعضها ببعض ، ففعل ثم أمره أن يجعل أجزاءها على الجبال واختلفوا في عدد الأجزاء والجبال ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة : أمر أن يجعل كل طائر أربعة أجزاء ، ويجعلها على أربعة أجبل ، على كل جبل ربعا من كل طائر ، وقيل : جبل على جانب الشرق وجبل على جانب الغرب وجبل على الشمال وجبل على الجنوب ، وقال ابن جريج والسدي : جزّأها سبعة أجزاء ووضعها على سبعة أجبل وأمسك رءوسهن ، ثم دعاهنّ فقال : تعالين بإذن الله ، فجعلت كل قطرة من دم طائر تطير إلى القطرة الأخرى وكل ريشة تطير إلى الريشة الأخرى وكل عظم يصير إلى العظم الآخر وكل بضعة [لحم](١) تصير إلى الأخرى ، وإبراهيم ينظر حتى لقيت كل جثة بعضها بعضا في السماء (٢) بغير رأس ، ثم أقبلن إلى رءوسهن سعيا فكلّما جاء طائر مال برأسه ، فإن كان رأسه دنا منه ، وإن لم يكن تأخر حتى التقى كل طائر برأسه ، فذلك قوله تعالى : (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) ، قيل : المراد بالسعي الإسراع والعدو ، وقيل : المراد به المشي دون الطير ؛ كما قال الله تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) [الجمعة : ٩] ، أي : فامضوا ، والحكمة في المشي دون الطيران كونه أبعد عن الشّبهة ؛ لأنها لو طارت لتوهم متوهم أنها غير تلك الطير ، وأن أرجلها غير سليمة [لم تحلّها الحياة](٣) والله أعلم ، وقيل : السعي بمعنى : الطيران ، (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢))
قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، فيه إضمار تقديره : مثل صدقات الذين ينفقون أموالهم ، (كَمَثَلِ) ، زارع (حَبَّةٍ) ، وأراد بسبيل الله : الجهاد ، وقيل : جميع أبواب الخير ، (أَنْبَتَتْ) : أخرجت ، (سَبْعَ سَنابِلَ) ، جمع : سنبلة ، (فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) ، فإن قيل : فما رأينا سنبلة فيها مائة حبة فكيف ضرب المثل به؟ قيل : ذلك متصوّر غير مستحيل وما لا يكون مستحيلا جاز ضرب المثل به ، وإن لم يوجد معناه (فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) ، إن جعل الله فيها [ذلك](٤) ، وقيل : هو موجود في [سنبلة](٥) الدخن ، وقيل : معناه أنها إن بذرت أنبتت مائة حبة ، فما حدث من البذر الذي كان فيها كان مضافا (٦) إليها ، وكذلك تأوّله الضحاك فقال : كل سنبلة أنبتت مائة حبة. (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) ، قيل : معناه يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء ، وقيل : معناه يضاعف على هذا ويزيد لمن يشاء ، ما بين سبع إلى سبعين إلى سبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف مما لا يعلمه إلّا الله ، (وَاللهُ واسِعٌ) ، غني يعطي عن سعة ، (عَلِيمٌ) بنية من ينفق ماله.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) :
__________________
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) في المطبوع «الهواء».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «مضاعفا».