أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «نحن أحق بالشكّ من إبراهيم ، إذ قال أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ، ورحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي» ، وأخرج مسلم بن الحجاج هذا الحديث عن حرملة بن يحيى عن وهب بهذا الإسناد مثله ، وقال : «نحن أحق بالشك من إبراهيم (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى)» (١).
حكى (١) محمد بن إسحاق بن خزيمة عن أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني أنه قال على هذا الحديث : لم يشكّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ولا إبراهيم في أن الله قادر على أن يحيي الموتى ، وإنما شكّا في أنه هل يجيبهما إلى ما سألا ، وقال أبو سليمان الخطابي : ليس في قوله صلىاللهعليهوسلم : «نحن أحق بالشك من إبراهيم» (٢) اعتراف بالشك على نفسه ولا على إبراهيم لكن فيه نفي الشك عنهما بقول : إذا لم أشك أنا في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى فإبراهيم أولى بأن لا يشك ، وقال ذلك على سبيل التواضع والهضم من النفس ، وكذلك قوله : «لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي» (٣) ، وفيه الإعلام أن المسألة من إبراهيم عليه لم تعرض من جهة الشك ، لكن من قبل (٢) زيادة العلم بالعيان ، فإن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيد الاستدلال ، وقيل : لمّا نزلت هذه الآية قال قوم : شكّ إبراهيم ولم يشك نبينا! فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذا القول تواضعا منه وتقديما لإبراهيم على نفسه ، قوله : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ)؟ معناه : قد آمنت فلم تسأل [إحيائي الموتى](٣)؟ شهد له بالإيمان ؛ كقول جرير :
ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطول راح |
يعني : أنتم كذلك ولكن ليطمئن قلبي بزيادة اليقين. (قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) ، قال مجاهد وعطاء وابن جريج (٤) : أخذ طاوسا وديكا وحمامة وغرابا ، وحكي عن ابن عباس رضي الله عنه : ونسرا بدل الحمامة ، وقال عطاء الخراساني : أوحى [الله إلى إبراهيم](٤) أن خذ بطة خضراء وغرابا أسود وحمامة بيضاء وديكا أحمر ، (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) ، قرأ أبو جعفر وحمزة (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) بكسر الصاد ، أي : قطعهنّ ومزقهنّ ، يقال : صار يصير صيرا ، إذا قطع ، وأنصار الشيء انصيارا إذا انقطع ، قال الفراء : هو مقلوب من صريت أصري صريا ، إذا قطعت ، وقرأ الآخرون (فَصُرْهُنَ) بضم الصاد ، ومعناه : أملهنّ إليك ووجههن يقال : صرت الشيء أصوره ، إذا أملته ، ورجل أصور إذا كان مائل العنق ، وقال عطاء معناه : اجمعهنّ واضممهنّ إليك ، يقال : صار يصور صورا إذا اجتمع ، ومنه قيل لجماعة النحل : صور ، [و] من فسّره بالإمالة والضم قال : فيه إضمار معناه : فصرهنّ إليك ثم قطعهنّ ، فحذفه اكتفاء بقوله : ثم اجعل على كل جبل منهنّ جزءا لأنه يدلّ عليه ، وقال أبو عبيدة : فصرهنّ معناه قطعهنّ أيضا ، والصور : القطع ، قوله تعالى : (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) ، قرأ عاصم برواية أبي بكر جزّءا مثقلا مهموزا ،
__________________
(١) انظر ما قبله.
(٢) انظر ما تقدم.
(٣) انظر ما تقدم.
(٤) لا طائل بتعيين تلك الطير ، ومصدره الإسرائيليات ، ولو تعلق به فائدة لبينه الله عزوجل لنا ، والله أعلم.
__________________
(١) زيد في ـ ط «عن».
(٢) في المخطوط «قبيل».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) العبارة في المطبوع «إليه».