فإذا جزر البحر (١) جاءت السباع فأكلت (٢) منها فما سقط منها يصير ترابا ، فإذا ذهبت السباع جاءت الطير فأكلت منها فما سقط منها قطعته الريح في الهواء ، فلما رأى ذلك إبراهيم عليهالسلام تعجّب منها وقال : يا ربّ قد علمت أنك لتجمعنها من بطون السباع وحواصل الطير وأجواف دواب البحر ، فأرني كيف تحييها لأعاين فأزداد يقينا فعاتبه الله تعالى ، (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى) : يا ربّ علمت وآمنت ، (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) ، أي : ليسكن قلبي إلى المعاينة والمشاهدة ، أراد أن يصير له علم اليقين عين اليقين ، لأن الخبر ليس كالمعاينة ، وقيل : كان سبب هذا السؤال من إبراهيم أنه لمّا احتجّ على نمرود فقال [له] : ربّي الذي يحيي ويميت ، قال نمرود : أنا أحيي وأميت ، فقتل أحد الرجلين وأطلق الآخر ، [وزعم أن هذا إحياء وإماتة](٣) ، فقال إبراهيم : إن الله تبارك وتعالى يقصد إلى جسد ميت فيحييه ، فقال له نمرود : أنت عاينته فلم يقدر أن يقول نعم ، فانتقل إلى حجّة أخرى [وقال : إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب](٤) ، ثم سأل ربه أن يريه إحياء الموتى ، (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) بقوّة حجّتي ، فإذا قيل أنت عاينته فأقول نعم قد عاينته.
وقال سعيد بن جبير : لمّا اتّخذ الله تعالى إبراهيم خليلا ، سأل ملك الموت ربّه أن يأذن له فيبشّر إبراهيم بذلك ، فأذن له ، فأتى إبراهيم ولم يكن في الدار فدخل داره ، وكان إبراهيم عليهالسلام أغير الناس ، إذا خرج أغلق بابه ، فلمّا جاء وجد في داره رجلا فثار عليه ليأخذه وقال له : من أذن لك أن تدخل داري؟ فقال : أذن لي ربّ هذه الدار ، فقال إبراهيم : صدقت ، وعرف أنه ملك ، فقال : من أنت؟
قال : أنا ملك الموت ، جئت أبشّرك بأنّ الله تعالى قد اتّخذك خليلا ، فحمد الله عزوجل ، قال : فما علامة ذلك؟ قال : أن يجيب الله دعاءك ويحيي الموتى بسؤالك ، فحينئذ قال إبراهيم : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أنك اتخذتني خليلا وتجيبني (٥) إذا دعوتك.
[٣٠٠] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا أحمد بن صالح ، أنا ابن وهب أخبرنا يونس عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيّب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه :
__________________
[٣٠٠] ـ إسناده صحيح ، أحمد بن صالح ثقة روى له البخاري ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، ومن دونه ثقات وقد توبعوا ، ابن وهب هو عبد الله ، ويونس هو ابن يزيد الأيلي ، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
ـ وهو في «شرح السنة» ٦٢ بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» برقم (٣٣٧٢) و (٤٥٣٧).
ـ وأخرجه مسلم (١٥١) ح / ٢٣٨ وابن ماجه ٤٠٢٦ وابن حبان ٦٢٠٨ والطبري (٥٩٧٤) و (١٩٤٠٠) والطحاوي في «المشكل» ٣٢٦ من طرق عن ابن وهب بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه البخاري ٤٦٩٤ والطبري (٥٩٧٣) و (١٩٣٩٩) والطحاوي في «المشكل» ٣٢٧ وابن مندة في «الإيمان» ٣٦٩ من طريق عمرو بن الحارث عن يونس بن يزيد به.
وأخرجه أحمد (٢ / ٣٢٦) عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن يونس بن يزيد به.
ـ وأخرجه مسلم ١٥١ والطحاوي ٣٢٨ وابن مندة ٣٧٠ من طريق مالك بن أنس عن الزهري به.
__________________
(١) زيد في المطبوع «ورجع».
(٢) في المطبوع «فأكلن».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المخطوط «وتحيي الموتى» بدل «وتجيبني».