من يمنّ ويؤذي بالصدقة.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ) ، أي : أجور صدقاتكم (بِالْمَنِ) ، على السائل ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : بالمنّ على الله تعالى ، (وَالْأَذى) ، لصاحبها ثم ضرب لذلك مثلا فقال : (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ) ، أي : كإبطال الذي ينفق ماله (رِئاءَ النَّاسِ) ، أي : مرآة وسمعة ليروا نفقته ويقولوا : إنه كريم سخي ، (وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، يريد أن الرياء يبطل الصدقة ، ولا تكون النفقة مع الرياء من فعل المؤمنين ، وهذا للمنافقين لأن الكافر معلن بكفره غير مرائي ، (فَمَثَلُهُ) ، أي : مثل هذا المرائي ، (كَمَثَلِ صَفْوانٍ) ، وهو الحجر الأملس ، وهو واحد وجمع ، فمن جعله جمعا فواحده صفوانة ، ومن جعله واحدا فجمعه [صفا و](١) صفي ، (عَلَيْهِ) ، أي : على الصفوان ، (تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ) ، وهو المطر الشديد العظيم القطر ، (فَتَرَكَهُ صَلْداً) ، أي : أملس ، والصلد : الحجر الصلب الأملس الذي لا شيء عليه ، فهذا مثل ضربه الله تعالى لنفقة المنافق والمرائي والمؤمن الذي يمنّ بصدقته ويؤذي ، ويري الناس في الظاهر أن لهؤلاء أعمالا كما يري التراب على هذا الصفوان ، فإذا كان يوم القيامة بطل كلّه واضمحلّ لأنه لم يكن لله [تعالى] ، كما أذهب الوابل ما على الصفوان من التراب فتركه صلدا [لا شيء عليه](٢) ، (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) ، أي : على الثواب من (٣) شيء مما كسبوا وعملوا في الدنيا ، (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ).
[٣٠٣] أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أخبرنا أبو الحسن الطيسفوني أخبرنا عبد الله بن
__________________
[٣٠٣] ـ حديث قوي بشواهده ، رجال الإسناد رجال الصحيح ، أحمد بن علي فمن دونه ثقات ، وقد توبعوا ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم غير صحابيه ، فإنه روى له مسلم دون البخاري ، وهو صحابي صغير ، جل روايته عن الصحابة ، وقال الحافظ في «التهذيب» (١٠ / ٥٩) : روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أحاديث ، ولم تصح له رؤية ، ولا سماع ا ه. والظاهر أنه سمعه بواسطة كما سيأتي.
ـ وهو في «شرح السنة» ٤٠٣٠ بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه أحمد (٥ / ٤٢٨) (٢٣١٢٠) والبيهقي في «الشعب» ٦٨٣١ من طريق عمرو بن أبي عمرو به.
ـ وذكره المنذري في «الترغيب» (١ / ٦٩) وقال : رواه أحمد بإسناد جيد ا ه.
وكذا ذكره الهيثمي في «المجمع» (١ / ١٠٢) (٣٧٥) وقال : أحمد ، ورجاله رجال الصحيح ا ه.
قلت : لكن علته أنه لم يسمع من النبي صلىاللهعليهوسلم كما قال الحافظ ابن حجر ، ويؤيد ذلك الرواية الآتية ، فقد أخرجه الطبراني في «الكبير» ٤٣٠١ من طريق آخر عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج مرفوعا وقال الهيثمي في «المجمع» (١٠ / ٢٢٢) (١٧٦٥٧) : ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن شبيب بن خالد ، وهو ثقة ا ه.
ـ وله شاهد من حديث معاذ أخرجه الحاكم (٣ / ٢٧٠) والبيهقي في «الزهد» ١٩٥ وصححه الحاكم ، ورده الذهبي بقوله : أبو قحذم ـ النضر بن معبد ـ قال أبو حاتم : لا يكتب حديثه. وقال النسائي : ليس بثقة ا ه.
وأخرجه الحاكم من طريق آخر عن معاذ مرفوعا وفيه : «اليسير شرك الرياء من ...» الحديث.
قال الحاكم : صحيح. وهذا الإسناد مصري لا يحفظ له علة ، ووافقه الذهبي.
ـ وله شاهد آخر من حديث شداد بن أوس أخرجه ابن ماجه ٤٢٠٥ والحاكم (٤ / ٣٣٠) وأبو نعيم (١ / ٢٦٨) والبيهقي في
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
فائدة : قال في القاموس : الصّفاة : الحجر الصلد الضخم ، جمعه : صفوات وصفا ، وجمع الجمع : أصفاء ، وصفيّ ، وصفيّ.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «ثواب» بدل «الثواب من».