تنفقون لأنفسكم. ، وقيل : معناها (١) الصدقات التي سبق ذكرها ، [وقيل : خبر محذوف تقديره](٢) : للفقراء الذين صفتهم كذا حق واجب ، وهم فقراء المهاجرين ، كانوا نحوا من أربعمائة رجل لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر ، وكانوا في المسجد يتعلّمون القرآن ويرضخون النوى بالنهار ، وكانوا يخرجون في كل سريّة يبعثها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهم أصحاب الصفة (٣) ، فحثّ الله تعالى عليهم الناس فكان من عنده فضل أتاهم به إذا أمسى ، (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ، فيه أقاويل ، قال قتادة : هم هؤلاء حبسوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله ، (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) ، لا يتفرّغون للتجارة وطلب المعاش ، وهم أهل الصفة التي ذكرناهم ، وقيل : حبسوا أنفسهم على طاعة الله ، وقيل (٤) : حبسهم الفقر والعدم عن الجهاد في سبيل الله ، وقيل : هؤلاء قوم أصابتهم جراحات مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الجهاد في سبيل الله فصاروا زمنى أحصرهم المرض والزّمانة عن الضرب في سبيل الله للجهاد ، وقيل : معناه : من كثرة ما جاهدوا صارت الأرض كلها حربا عليهم فلا يستطيعون ضربا في الأرض من كثرة أعدائهم ، (يَحْسَبُهُمُ) ، قرأ أبو جعفر وابن عامر وعاصم وحمزة (يَحْسَبُهُمُ) وبابه بفتح السين ، وقرأ الآخرون بالكسر ، (الْجاهِلُ) بحالهم ، (أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) ، أي : من تعفّفهم عن السؤال وقناعتهم يظن من لا يعرف حالهم أنهم أغنياء والتعفّف التفعل من العفة وهي الترك ، [يقال : عفّ عن الشيء إذا كفّ عنه وتعفّف إذا تكلّف في الإمساك](٥) ، (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) ، والسيماء والسيمياء والسمة : العلامة التي يعرف بها الشيء ، واختلفوا في معناها هاهنا ، فقال مجاهد : هي (٦) التخشع والتواضع ، وقال السدي : أثر الجهد من الحاجة والفقر ، وقال الضحاك : صفرة ألوانهم من الجوع والضرّ ، وقيل : رثاثة ثيابهم ، (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) ، قال عطاء : إذا كان عندهم غداء لا يسألون عشاء وإذا كان عندهم عشاء لا يسألون غداء ، وقيل : معناه : لا يسألون الناس (٧) أصلا ؛ لأنه قال : (مِنَ التَّعَفُّفِ) ، والتّعفّف : ترك السؤال ، ولأنه قال تعرفهم بسيماهم ، ولو كانت المسألة من شأنهم لما كانت إلى معرفتهم بالعلامة حاجة ، فمعنى الآية : ليس لهم سؤال فيقع فيه إلحاف ، والإلحاف : الإلحاح واللجاج.
[٣٢٠] أخبرنا (٨) أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن إبراهيم
__________________
[٣٢٠] ـ صحيح ، ابن عبد الحكم ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
ـ وهو في «شرح السنة» برقم ١٦١٠.
ـ وأخرجه البخاري ٢٠٧٥ وابن ماجه ١٨٣٦ وأحمد (١ / ١٦٧) وأبو يعلى ٦٧٥ والبيهقي في «الشعب» ١٢٢٣ من طريق وكيع عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن جده به.
ـ وأخرجه البخاري ١٤٧١ من طريق موسى عن وهيب عن هشام به وأحمد (١ / ١٦٤) من طريق حفص بن غياث عن هشام به.
ـ وورد من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (١٤٨٠ و ٢٠٧٤) ومسلم ١٠٤٢ والترمذي ٦٨٠ وابن أبي شيبة (٣ / ٢٠٩
(١) في المخطوط «يعني».
(٢) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٣) زيد في المخطوط «الذين ذكرناهم» وهذه العبارة ستأتي بعد سطرين هاهنا ، وهو أقرب للصواب.
(٤) زيد في المطبوع «معناه».
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) في المخطوط «هو» لكن المثبت أقرب لعبارة البغوي في سياق كلامه.
(٧) زيد في المطبوع و ـ ط «إلحافا» وهو خطأ.
(٨) زيد في المطبوع «الأستاذ الإمام».