لو رهن ولم يسلم فلا يجبر الراهن على التسليم ، فإذا سلّم لزم من جهة الراهن ، حتى لا يجوز له أن يسترجعه ما دام شيء من الحق باقيا ، ويجوز في الحضر الرهن مع وجود الكاتب ، وقال مجاهد : لا يجوز الرهن إلا في السفر عند عدم الكاتب لظاهر الآية ، وعند الآخرين : خرج الكلام في الآية على الأعم الأغلب لا على سبيل الشرط.
ع [٣٤٥] والدليل عليه ما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي ، ولم يكن ذلك في السفر ولا عند عدم كاتب.
(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، وفي [حرف أبي](١) «فإن ائتمن» ، يعني : فإن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق فلم يرتهن منه شيئا لحسن ظنّه به ، (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) ، أي : فليقضه (٢) على الأمانة ، (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) في أداء الحق ، ثم رجع إلى خطاب الشهود فقال : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) ، إذا دعيتم إلى إقامتها نهى عن كتمان الشهادة وأوعد عليه فقال : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) ، أي : فاجر قلبه ، قيل : ما وعد على شيء كإيعاده على كتمان الشهادة ، قال : (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) وأراد به مسخ القلب نعوذ بالله من ذلك ، (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من بيان الشهادة وكتمانها ، (عَلِيمٌ).
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤))
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ، ملكا وأهلها (٣) [له عبيد وهو مالكهم](٤) ، (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، اختلف العلماء في هذه الآية فقال قوم : هي خاصة ثم اختلفوا في وجه خصوصها ، فقال بعضهم : هي متّصلة بالآية الأولى نزلت في كتمان الشهادة ، معناه : وإن تبدوا ما في أنفسكم أيها الشهود من كتمان الشهادة أو تخفوا الكتمان يحاسبكم به الله ، وهو قول الشعبي وعكرمة ، وقال بعضهم : نزلت فيمن يتولّى الكافرين من (٥) دون المؤمنين ، يعني : وإن تعلنوا ما في أنفسكم من ولاية الكفار أو تسرّوه يحاسبكم به الله ، وهو قول مقاتل ، كما ذكر في سورة آل عمران : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ٢٨] إلى أن قال : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) [آل عمران : ٢٩] ، وذهب الأكثرون إلى أن الآية عامة ثم اختلفوا فيها ، فقال قوم : هي منسوخة بالآية التي بعدها ، والدليل عليه ما :
__________________
[٣٤٥] ـ مرسل. أخرجه الشافعي ٢ / ١٦٣ و ١٦٤ ومن طريقه البيهقي ٦ / ٣٧ عن جعفر بن محمد ، عن أبيه مرسلا بهذا اللفظ ، وهو صحيح دون ذكر أبي الشحم :
فقد ورد من حديث أنس دون ذكر «أبي الشحم» أخرجه البخاري ٢٠٦٩ و ٢٥٠٨ والترمذي ١٢١٥ والنسائي ٧ / ٢٨٨ وابن ماجه ٢٤٣٧ وأحمد ٣ / ١٣٣ وأبو يعلى ٣٠٦١ وابن حبان ٥٩٣٧ والبيهقي ٦ / ٣٦ و ٣٧.
ـ وكذا ورد من حديث عائشة أخرجه البخاري ٢٢٠٠ و ٢٢٥١ و ٢٥١٣ و ٢٩١٦ و ٤٤٦٧ ومسلم ١٦٠٣ والنسائي ٧ / ٢٨٨ وابن ماجه ٢٤٣٦ وعبد الرزاق ١٤٠٩٤ وابن أبي شيبة ٦ / ١٦ وأحمد ٦ / ٤٢ وابن حبان ٥٩٣٦ وابن الجارود ٦٦٤ والبيهقي ٦ / ٣٦ والبغوي في «شرح السنة» (٢١٢٢ و ٢١٢٣).
__________________
(١) سقط من المخطوط ، والمراد بقوله : حرف. أي قراءة.
(٢) كذا في المطبوع و ـ ط ، وفي المخطوط «فليقبضه».
(٣) في المخطوط «خلقا».
(٤) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٥) كذا في المطبوع ، ولفظ «دون» ليس في المخطوط.
ولفظ «من» ليس في ـ ط.