وجهان ، أحدهما : أن يجعل الكون بمعنى الوقوع ، معناه : إلا أن تقع تجارة ، والثاني : أن يجعل الاسم في التجارة والخبر في الفعل ، وهو قوله : (تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) ، تقديره : إلا أن تكون تجارة حاضرة دائرة بينكم ، ومعنى الآية : إلّا أن تكون تجارة حاضرة يدا بيد تديرونها بينكم ليس فيها أجل ، (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) ، يعني : التجارة ، (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) ، قال الضحاك : هو عزم من الله تعالى ، والإشهاد واجب في صغير الحق وكبيره ونقده ونسيئه ، وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : الأمر فيه إلى الأمانة ؛ كقوله تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [البقرة : ٢٨٣] الآية ، وقال الآخرون : هو أمر ندب. قوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ). هذا نهي للغائب (٢) ، وأصله : يضارر ، فأدغمت إحدى الرّاءين في الأخرى ونصبت لحق التضعيف لاجتماع (٣) الساكنين ، واختلفوا فيه ، فمنهم من قال : أصله يضارر بكسر الراء الأولى ، وجعل الفعل للكاتب والشهيد ، معناه : [و] لا يضارر الكاتب فيأبى أن يكتب ولا الشهيد فيأبى أن يشهد ، ولا يضار الكاتب فيزيد أو ينقص أو يحرّف ما أملي (٤) عليه ولا الشهيد فيشهد بما لم يستشهد عليه ، وهذا قول طاوس والحسن وقتادة. وقال قوم : أصله يضارر (٥) بفتح الراء على الفعل المجهول ، وجعلوا الكاتب والشهيد مفعولين ، ومعناه : أن يدعو الرجل الكاتب أو الشاهد وهما على شغل مهم فيقولان : نحن على شغل مهم فاطلب غيرنا ، فيقول الداعي : إن الله أمركما أن تجيبا ويلحّ عليهما فيشغلهما عن حاجتهما فنهى عن ذلك ، وأمر بطلب غيرهما ، (وَإِنْ تَفْعَلُوا) ما نهيتكم عنه من الضّرار ، (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) ، أي : معصية وخروج عن الأمر ، (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣))
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) ، قرأ ابن كثير. وأبو عمرو «فرهن» بضم الهاء والراء ، وقرأ الباقون (فَرِهانٌ) وهو جمع : رهن ، مثل : بغل وبغال وجبل وجبال (٦) ، والرّهن : جمع الرهان (٧) : جمع الجمع ، قاله الفراء والكسائي ، وقال أبو عبيدة وغيره : هو جمع الرهن أيضا مثل : سقف وسقف ، وقال أبو عمرو : وإنما قرأنا «فرهن» ليكون فرقا بينها (٨) وبين رهان الخيل ، وقرأ (٩) عكرمة : «رهن» بضم الراء وسكون الهاء ، والتخفيف والتثقيل في الرهن لغتان ، مثل : كتب وكتب ورسل ورسل ، ومعنى الآية : وإن كنتم على سفر ولم تجدوا [آلات الكتابة](١٠) فارتهنوا ممن تداينونه رهونا لتكون وثيقة بأموالكم ، واتّفقوا على أن الرهن لا يتمّ إلا بالقبض ، وقوله : فرهن مقبوضة ، أي : ارتهنوا واقبضوا حتى
__________________
(١) في المطبوع «قرأهما».
(٢) في المخطوط «الغائب».
(٣) في المطبوع وحده «لالتقاء».
(٤) في المخطوط «يتلى».
(٥) في المطبوع «يضار».
(٦) في المخطوط «حبل وحبال».
(٧) كذا في المطبوع ونسخة ـ ط. وفي المخطوط «رهان» وفي العبارة بعض الغموض وعبارة «البحر المحيط» وقرأ الجمهور «فرهان» جمع رهن ، نحو : كعب وكعاب ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فرهن» بضم الراء والهاء ، وروي عنهما تسكين الهاء ، وقرأ بكل واحدة منهما جماعة غيرهما فقيل : هو جمع رهان ، ورهان جمع رهن قاله الكسائي والفراء.
(٨) في المطبوع «بينهما».
(٩) في المطبوع «وقال».
(١٠) العبارة في المطبوع «كاتبا الآن».