فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصيّاه ، سويد وعرفجة ، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا ، وكانوا في الجاهلية لا يورّثون النساء ولا الصغير ، وإن كان الصغير ذكرا ، وإنّما كانوا يورّثون الرجال ، ويقولون : لا نعطي إلا من قاتل وحاز الغنيمة ، فجاءت أم كجّة فقالت : يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك عليّ ثلاث بنات وأنا امرأته ، وليس عندي ما أنفق عليهن ، وقد ترك أبوهنّ مالا حسنا ، وهو عند سويد وعرفجة ، ولم يعطياني ولا بناته (١) شيئا وهن في حجري ، لا يطعمن ولا يسقين (٢) ، فدعاهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالا : يا رسول الله ولدها لا يركب فرسا ولا يحمل [كلّا ولا ينكي](٣) عدوا ، فأنزل الله عزوجل (لِلرِّجالِ).
يعني : للذكور من أولاد الميت وأقربائه (نَصِيبٌ) حظ (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) من الميراث ، (وَلِلنِّساءِ) ، وللإناث منهم ، (نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ) ، أي : من المال ، (أَوْ كَثُرَ) منه (نَصِيباً مَفْرُوضاً) ، نصب على القطع ، وقيل : جعل ذلك نصيبا فأثبت لهنّ الميراث ، ولم يبين كم هو ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى سويد وعرفجة : لا تفرقا من مال أوس بن ثابت شيئا فإن الله تعالى جعل لبناته نصيبا مما ترك ، ولم يبيّن كم هو حتى انظر ما ينزل فيهنّ ، فأنزل الله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) [النساء : ١١]. فلمّا نزلت أرسل رسول الله إلى سويد وعرفجة : «أن ادفعا إلى أمّ كجّة الثّمن [مما ترك](٤) وإلى بناته الثلثين ، ولكما باقي المال».
(وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨))
قوله تعالى : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) ، يعني : قسمة المواريث ، (أُولُوا الْقُرْبى) ، الذين لا يرثون ، (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) ، أي : فارضخوا لهم من المال قبل القسمة ، (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً). اختلف العلماء في حكم هذه الآية ، فقال قوم : هي منسوخة (٥) ، قال سعيد بن المسيب (٦) والضحاك : كانت هذه قبل آية الميراث [فلما نزلت آية الميراث](٧) جعلت المواريث لأهلها ، ونسخت هذه الآية. وقال آخرون : هي محكمة ، وهو قول ابن عباس والشعبي والنخعي والزهري ، وقال مجاهد : هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم ، وقال الحسن : كانوا يعطون التابوت والأواني ورثّ الثياب والمتاع والشيء الذي يستحيا من قسمته ، وإن كان بعض الورثة طفلا فقد اختلفوا فيه ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره : إن كانت الورثة كبارا رضخوا لهم ، وإن كانت صغارا اعتذروا إليهم ، فيقول الولي أو الوصي : إني لا أملك هذا المال إنما هو للصغار ، ولو كان لي منه شيء لأعطيتكم ، وإن يكبروا فسيعرفون حقوقكم ، هذا هو القول بالمعروف ، وقال بعضهم ذلك حق واجب في أموال الصغار والكبار ، فإن كانوا كبارا تولوا إعطاءهم ، وإن كانوا صغارا أعطى وليهم. روى محمد بن سيرين أن عبيدة السلماني قسم أموال أيتام فأمر بشاة فذبحت فصنع طعاما لأجل هذه الآية ، وقال : لو لا هذه الآية لكان هذا من مالي. وقال قتادة عن يحيى بن يعمر (٨) : ثلاث آيات محكمات مدنيات تركهن الناس ، هذه الآية وآية الاستئذان : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النور : ٥٨] الآية ، وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ
__________________
(١) في المطبوع «بناتي».
(٢) في «أسباب النزول» جاء بلفظ المثنى.
(٣) في المطبوع «كلأ ولا ينكأ» والمثبت عن «أسباب النزول».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيد في النسخ «و» وليس بشيء.
(٦) تصحف في المطبوع «جبير».
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) تصحف في المطبوع «معمر».