الأول هو الإرادة ، وهو واضح ، والثاني هو الفعل ، وهو واضح أيضا ، وهناك شيء ثالث بين الإرادة والفعل ، وهو ما يسميه بالاختيار ، وهو فعل نفساني يأتي بعد الإرادة وقبل الفعل ، ولهذا يقال : «أراد ، فاختار ، ففعل» ، وهذا الفعل النفساني حقيقته بتحرك النّفس على طبق الإرادة الّذي ينتج قيامها بالفعل خارجا ، وهو «قده» يرى أنّ الإرادة مهما كانت قوية لا تكون علّة حتميّة لوقوع الفعل في الخارج كما يتصور الفلاسفة ، بل بعد تماميتها فالإنسان يبقى له الاختيار وعدمه ، ومعنى الاختيار هو أن يحرك نفسه نحو المراد ، وعليه : فعندنا إرادة ، واختيار ، وفعل خارجي ، والإرادة تكون متعلقة بما يلائم قوّة من قوى الإنسان ، فهو يشتهي الماء لأنّه عطشان ، فالإرادة تتعلق بالعناوين الواقعية الّتي هي تتطابق ، ـ حينما يتصورها الإنسان ـ مع شهوة من شهواته ، فالإرادة تتعلق بشرب المسكر ، وأمّا الاختيار فهو تحرك نفسي نحو المراد خارجا ، وهذا الاختيار يكون محركا نحو ما يراه الإنسان مصداقا لشرب الخمر ، إذ من الواضح أنّ الإنسان بعد اشتياقه للمسكر الواقعي ، يصير في مقام التحرك ، فالنّفس تحمله إلى ما يراه هو خمرا ، ولهذا قد يفرض أنّ الخمر أمامه لكن لا يتوجه نحوه ، لأنّه لا يراه خمرا ، فلو أراد شرب الخمر وتخيّل انّ هذا الماء خمرا فسوف تحمله نفسه عليه ، لأنّه يعتقده مصداقا لمراده ، سواء كان مصداقا للمراد في الواقع أم لا.
وبعد هذه المقدّمة ، حينئذ نأتي إلى بيان الميرزا «قده» ، وهو مركب من أمرين :
١ ـ الأمر الأول : هو أنّ التكليف حيث أنّه من أجل تحريك اختيار المكلّف ، لهذا فهو لا يتعلق إلّا بالأمور الاختيارية ، إذن فمتعلقه نفس الاختيار ، أو لا أقل ، انّ متعلقه هو بما يتعلق به الاختيار ، لأنّ التكليف ميزانه وملاكه هو ، تحريك اختيار المكلّف سلبا أو إيجابا ، فلا