الطائفة الأولى على قصد المعصية مع عدم الارتداع عن قصده حتّى حيل بينه وبين العمل بقصده ، وبحمل الطائفة الثانية على ما إذا ارتدع عن قصده بنفسه ، وذلك بتطبيق كبرى انقلاب النسبة ، لأنّ النبوي المتقدّم يدلّ ذيله على العقاب ، فتخصص الطائفة الأولى بفرض عدم الارتداع.
وهذا الجمع مضافا إلى عدم قبول مبناه ، وهو كبرى انقلاب النسبة ، غير صحيح ، لأنّ النبوي إمّا أن يستظهر منه حرمة نفس الالتقاء بالسيف كحرام مستقل كما يفهم ذلك من إرادة القتل في ذيل الرواية ، إذن لا يكون هذا عقابا على التجري ، بل على نفس تجريد السيف فإنّه معصية حرام كحرمة سبّ المؤمن بغض النظر عن القتل ، وإمّا أن تحمل إرادة القتل فيها على مجرد قصد القتل ، وحينئذ ، لا وجه لدعوى اختصاصها بما إذا لم يرتدع ، إذ أنّ قصد القتل وإرادته أعم من ذلك ، اللهمّ إلّا أن يقال : انّ القدر المتيقن من هذه الطائفة وموردها هو ذلك.
ولكنّه قد حقّق في محله أنّ مجرد وجود قدر متيقن بين الطائفتين المتعارضتين لا يكون وجها للجمع العرفي بينهما عن طريق تخصيص كل منهما بمضمون هذا المتيقن.
والصحيح هو حمل الطائفة الثانية على نفي فعليّة العقاب تفضلا ومنّة من الله تعالى على عباده ، لأنّها ليست ظاهرة في أكثر من ذلك ، بل في ألسنة بعضها القرينة على ذلك ، من قبيل ما دلّ على ـ انّ الله تفضّل على آدم على أن لا يكتب على ولده وذريته ما نووا ما لم يفعلوا (١) ـ وكذلك ما دلّ على أنّ الملائكة الموكلين بتسجيل الذّنوب يمهلون العباد ولا يكتبونها بمجرد النيّة وقصد المعصية (٢) ، فإنّ هذه الألسنة
__________________
(١) الوسائل : ج ١ ، ح ٨ ، ص ٣٧. وج ١١ ، باب ٩٣ ، ح ١ ، ص ٣٦٩.
(٢) نفس المصدر : ح ٢٠ ـ ٢١ ، ص ٣٩.