والعلميّة هذا ، مع العلم أنّ دليل وجوب الاحتياط ليس مفاده جعل العلمية والطريقيّة ، وإنّما هو حكم ظاهري لوجوب التحفظ ، ومع هذا ينجز الواقع المشكوك ، ويقدم على البراءة العقليّة ، فإنّ الواقع ليس معلوما لا وجدانا ولا تنزيلا ولا اعتبارا ، ومع ذلك يتنجز فيه الاحتياط.
وهذا يكشف عن أنّ روح ملاك دفع الشبهة ليس هو جعل الطريقية والعلمية.
وإذا عرفت ملاك دفع الشبهة في مورد أصالة الاحتياط ، يتبيّن لك حينئذ ، أنّ نكتة دفع الشبهة غير مربوطة بكون الجعل على نحو الطريقيّة والعلمية والحكومة أو الورود ، بل هي مربوطة بشيء آخر ، وبوجود ذلك الشيء الآخر ، سوف تندفع الشبهة المذكورة ، سواء كان لسان دليل الحجيّة جعل الطريقية أو الأمر بالاحتياط ، وإن كان ذاك الشيء الآخر غير موجود ، فلا ينفع في دفع الشبهة مسألة جعل الطريقيّة.
فالصحيح في العلاج هو أن يقال : انّه لو تنزلنا عن إنكار قاعدة قبح العقاب بلا بيان وسلّمنا بها ، فلا بدّ وأن لا نسلّم بها على إطلاقها ، بل نلتزم بأنّها مخصوصة ببعض الموارد ـ كما في مورد الحكم المشكوك ـ دون بعض.
وتوضيحه : هو أنّ التكاليف الواقعيّة المشكوكة على قسمين.
١ ـ القسم الأول : تكليف مشكوك لا يعلم بثبوته ، ولكن يعلم أنّه لو كان ثابتا فهو في غاية الأهمية ولا يرضى المولى بتفويته ، من قبيل أن يفرض انّ هذا المكلّف لا يعلم أنّ المولى في حالة غرق ، فأصل التكليف بالإنقاذ موجود ، وهو تكليف شديد الأهمية جدا ، بحيث أنّ المولى لا يرضى بتفويته.
ففي هذا القسم يوجد شكّ ، وعلم ، فالشكّ في القضية الفعلية ،