ما تبرزه هذه الخطابات من مراتب اهتمام الشارع بأغراضه وملاكاته الواقعية ، وما توجده من علم وجداني بهذه الأغراض والملاكات وإن اختلفت ألسنتها ، من جعل الطريقية أو المنجزية أو التنزيل أو غير ذلك ، فإنّ ذلك كله ينجز الواقع المشكوك ويخرجه عن موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
وهذا هو نفسه ، النكتة العقلائية من وراء جعل الحجيّة العقلائية للأدلة اللبية الّتي ليس فيها خطاب ، عند ما تكون ممضاة من قبل الشارع بخبر على طبقها ، كما في السيرة العقلائية وغيرها ، وإنّما اختلاف ألسنة هذه الخطابات في جميع موارد الحكم المشكوك والسيرة مثلا ، إن هي إلّا تفنّنات في التعبير لا دخل لها في حلّ المشكلة.
ويظهر من بعض كلمات المحقّق العراقي «قده» (١) في بعض الموارد ، محاولة الجواب على هذه الشبهة ، مع الإصرار على التمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وأحسن ما يقرّب به كلامه هو أن يقال :
إنّ الخطاب الظاهري في موارد الإمارة أو الأصل المعلوم وجدانا ، أمره مردّد ، بين أن يكون مطابقا للواقع ، أو لا يكون مطابقا ، فإن كان مطابقا للواقع ، فهذا الخطاب الظاهري هو نفسه حكم واقعي منجز ، لأنّنا لا نريد بالخطاب الواقعي المنجز عقلا إلّا الخطاب الّذي وراءه مبادئ حقيقية وملاكات.
وإن كانت الإمارة غير مطابقة للواقع بل كانت خطابا ظاهريا فارغا ، إذن هذا الخطاب ليس وراءه شيء من الملاكات والمبادئ ، وحينئذ ، يكون هذا حكما صوريا لا واقعيا ، وبما انّ أصل هذا الخطاب الظاهري معلوم لنا وجدانا ، حينئذ ، إذا ضممنا هذين الأمرين ، وهو إنّا
__________________
(١) مقالات الأصول : العراقي ، ج ٢ ، ص ١٨.