نعلم وجدانا بالخطاب الظاهري ـ ولعلّه هو الخطاب الواقعي ـ إذن ، فمعناه أنّه على أحد التقديرين ـ وهو تقدير مطابقة الخطاب للواقع ـ نكون عالمين بالحكم الواقعي ، وحينئذ يكون المقام شبهة مصداقية لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، ومعه لا يصحّ التمسك بها لكوننا نحتمل البيان والعلم بالحكم الواقعي.
ولكن هذا غير تام ، وجوابه الصحيح هو أن يقال : بأنّه لو سلّمنا أنّ الخطاب الظاهري على أحد التقديرين واقعيا ، لكن ليس معناه ، أنّه على أحد التقديرين عالمون بالحكم الواقعي ، بل نحن عالمون بجامع الخطاب المردّد بين كونه واقعيا ، وكونه صوريا ، فعلى تقدير كونه واقعيا ، فنحن عالمون بذاته وجامعيته لا بواقعيته ، وهذا الجامع لا يتنجز بالعلم ، لأنّ الخطاب الواقعي هو الّذي يقبل التنجيز ، بينما الصوري لا يقبله ، فالعلم بالجامع بينهما لا يقبل التنجيز إذن ، لأنّ العلم بالجامع بين ما يتنجز وما لا يتنجز ليس بمنجز.
والخلاصة هي : إنّ ما هو موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان إنّما هو كونه واقعيا ، ومن دون العلم بذلك يقبح العقاب بلا بيان.
إذن لا بدّ في مقام دفع هذه الشبهة من أن ننكر قاعدة قبح العقاب بلا بيان رأسا ، وإمّا أن نقول بالتفصيل كما عرفت.
هذا تمام الكلام في قيام الإمارات والأصول مقام القطع الطريقي.
وقد اتضح من مجموع ما ذكرناه عدّة أمور.
١ ـ الأمر الأول : هو أنّ صاحب الكفاية «قده» (١). في بحث الجمع بين الأحكام الواقعية والظاهرية ، اختار مسلكا في تصوير جعل الحجيّة في باب الإمارات والأصول ، حيث ذكر أنّ أدلة الحجيّة مفادها
__________________
(١) كفاية الأصول : الخراساني ، ج ٢ ، ص ٤٤.