إنّ الأول متوقف على الثاني ، والثاني متوقف على الأول ، إذ الثاني بدون الأول لغو ، فكل منهما متوقف على الآخر لأنّه بدونه لغو ، وهذه مغالطة.
وحلّ ذلك هو أن يقال : إنّ التنزيل الأول ليس موقوفا على فعلية الثاني ، بل الأول والثاني بمجموعهما يصدران معا ، باعتبار ان أحدهما بدون الآخر يكون لغوا ، إذن فكلاهما يصدران معا ، إذن فالتنزيل الأول يتوقف على رفع اللغوية ، ورفعها يكفي فيه صدق الشرطية ، وهي «أنّه لو كان التنزيل الأول لكان التنزيل الثاني» إذ يكفي في رفع اللغوية ذلك ، إذن فلا دور ، إذن فصياغة الدور غير واردة لا إثباتا ولا ثبوتا ، وكل من التنزيلين بحسب عالم الجعل ليس في طول الجعل الآخر ، بل الجعلان عرضيان ، والأحسن في مقام تقريب إشكال الكفاية هو ما ذكرنا سابقا.
٣ ـ الكلام الثالث : هو للمحقّق العراقي «قده» (١) إشكالا على الكفاية وانتصارا لما جاء في الحاشية ودفعا لمحذور استحالة طولية التنزيلين في المقام ، حيث أفاد بأنّه لا مانع من أن يكون تنزيل بلحاظ كل جزء ، تنزيلا مستقلا مفصولا عن التنزيل الآخر ، سواء كان متقدما أم متأخرا عنه رتبة ، لأنّ المولى حينما يجعل حكما كوجوب الحج ، على الموضوع المركب من البلوغ والاستطاعة ، فكل من الجزءين يكون له حكم تعليقي ، فالاستطاعة حكمها هو وجوب الحج لو انضم إليها البلوغ ، والبلوغ حكمه وجوب الحج لو انضم إليه الاستطاعة ، فالمولى حينما يجعل وجوب الحج على البالغ المستطيع ، يكون موضوعه كل من الجزءين لأثر تعليقي ، وإذا كان كل من الجزءين موضوع لحكم تعليقي ، إذن فالتنزيل يكون لكل من الجزءين مستقلا بلحاظ أثره التعليقي ، فليس
__________________
(١) مقالات الأصول : العراقي ، ج ٢ ، ص ١٨.
فوائد الأصول : تعليقة العراقي ، ج ٣ ، ص ١٠٦ ـ ١٠٧.