نعم لو كان هذا التنزيل بنحو الإخبار ، فلا بأس بأن يخبر بكل منهما ، فيقول : انّ هذا منزّل منزلة ذاك في الأثر التعليقي ، وكذا يقول في الطرف الثاني ، لأنّ مرجع الإخبارين إلى الإخبار عن وجود تنزيل واحد للمجموع منزلة المجموع المركب.
والتحقيق فيه هو ، انّه تارة نبني على انّ التنزيل عملية ثبوتية ، ومرجعها إلى جعل الحكم على المنزل تبعا لثبوته في المنزل عليه بحيث يكون التنزيل عملية ثبوتية ويكون مضمونها هو جعل الحكم وإسراؤه من المنزل عليه إلى المنزل ، وهذا هو مبنى صاحب الكفاية «قده».
وأخرى ، نبني على انّ التنزيل شيء يرجع إلى اللّسان الإثباتي ويكون من شئون وخصوصيات البيان في الدليل الشرعي ، وذلك بأن يقال : إنّ المولى حينما يحكم بوجوب الحج على المستطيع ويبيّن ذلك بدليل قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ، فهنا تارة يقول ذلك ولا يجعل عدلا للاستطاعة ، وأخرى يأخذ البدل عدلا للاستطاعة كقوله : «يجب الحج على المستطيع أو من يجد الزاد والراحلة» ، فإن فرض الثاني كما إذا قال : «من كان مستطيعا ، أو من بذل له الزاد يجب عليه الحج» ، ففي مثله يقال : إنّ الحكم متعلق بالجامع بين الأمرين ، بين من كان مستطيعا ، وبين من بذل له الزاد.
وأخرى ، نفرض انّ الدليل يكون بلسان «من كان مستطيعا يجب عليه الحج» ، فهذا اللّسان لا يفي بإيجاب الحج على من بذل له الزاد ، فحينئذ ، يكون قوله : «أو من بذل له الزاد» مبين ببيان منفصل ، والبيان المناسب له هو أن يقال : مثلا «نزّلت من بذل له الزاد والراحلة منزلة المستطيع» ، فهذا التنزيل مرجعه إلى التعويض عن القرينة المتصلة ، فوظيفته وظيفة بحسب مقام الإثبات وليس التنزيل بابه باب الجعل وإسراء الحكم من المنزل عليه إلى المنزل.