٢ ـ اللازم الثاني : هو أنّه بناء على هذا التخريج ، لا يمكن أن نستدل على وجوب التقليد بالسيرة العقلائية ، مع أنّ هذه السيرة من أهم الأدلة على وجوبه ، وذلك لأنّ هذه السيرة إنّما تدلّ على وجوب رجوع الجاهل إلى العالم وأهل الخبرة في مقام تشخيص الحكم المشترك ، ولا تدلّ على التنزيل ، لأنّه حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي ، وحينئذ ، ينحصر دليل التقليد بالدليل الشرعي الّذي يمكن استفادة التنزيل منه ، أو كما إذا قيل بانضمام ما يشبه الإطلاق المقامي إلى ذلك حيث يقال : بأنّ هذه السيرة لو خلّيت وطبعها لأوجبت رجوع العوام إلى المجتهدين كما يرجع إلى أهل الخبرة ولو غفلة عن الفرق بينهما ، وحينئذ ، فسكوت الشارع عن ذلك ، مع احتمال كون الغفلة نوعية ، يكون بنفسه دليل على الإمضاء لهذه السيرة ، وبذلك تكون دليلا على وجوب التقليد.
٣ ـ المقام الثالث : في أصل منشأ هذا الإشكال ، وهو دعوى اختصاص الأحكام الظّاهرية بخصوص المجتهد.
فنقول : هناك عدّة مواضع وأسباب تكون هذه الدعوة بلحاظها.
منها : دعوى إنّ هذه الوظائف المقرّرة ، كالبراءة وغيرها من أدلة الأحكام الظّاهرية إمارة أو أصلا قد أخذ في موضوعها وجوب الفحص ، والفحص مختصّ بالمجتهد.
ويمكن دفعه ، بأن يقال : بأنّ الفحص بعنوانه لم يؤخذ في موضوع البراءة والاستصحاب ، وأصالة العموم ، وغيرها من أدلة الأحكام الظّاهرية ، وإنّما المأخوذ في موضوع حجيّة أصالة العموم هو خروج العام عن معرضيته للتخصيص بنظر الخبير بذلك ، فإذا فحص الخبير ولم يجد مخصصا ، فإنّه حينئذ ، يتحقّق بذلك موضوع الحجيّة في حق الخبير وغيره ، وبهذا يثبت أنّ الحكم الظّاهري غير مختص بالمجتهد ، وهكذا يقال في أصل البراءة وغيره ممّا أخذ الفحص شرطا في موضوع حجيته.