أمّا المقام الأول : وهو أخذ العلم بالحكم شرطا في موضوع شخص ذلك الحكم ، فالمعروف بينهم استحالة ذلك.
ولعلّ الأصل في دعوى الاستحالة هو العلّامة «قده» ، فإنّه في بحوثه الكلاميّة ، وفي مقام الردّ على العامّة القائلين بالتصويب ، وبأنّ التصويب محال قال «قده» لأنّ معناه ، انّ الأحكام مخصوصة بمن يعلم بها ، ومن لم يعلم بها لا يكون مخطئا ولا يكون جاهلا ، لأنّ الجاهل هو أن يثبت له حكم وهو لا يدري ، فإذا فرض أنّ الأحكام مختصة بالعالم ، إذن فالجاهل نسميه جاهل ، وإلّا فهو بحسب الحقيقة لم يجهل ما هو ثابت في حق نفسه ، فأشكل عليه العلّامة «قده» (١) ، بأنّ هذا يلزم منه المحال ، وهو أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه وهو دور ، لأنّ الحكم إذا أخذ في موضوعه العلم به ، يكون الحكم متوقف على العلم توقف الحكم على موضوعه ، والعلم بالحكم في طول الحكم ، فيتوقف العلم على معلومه ، فيلزم التوقف من الجانبين ، وهذا دور ، إذن فالتصويب باطل.
ثمّ انّ المسألة دخلت علم الأصول تحت صياغة ، انّه هل يعقل أخذ العلم بالحكم في موضوع شخصه أم لا؟ وترتب على هذا ثمرات كثيرة كما سوف يأتي.
وتحقيق الحال هو أن يقال : ان أخذ القطع بالحكم في موضوع شخصه ، تارة يكون بنحو بحيث يكون المأخوذ في الموضوع هو القطع والمقطوع معا ، أي أنّه يؤخذ في موضوع شخص الحكم ، القطع به ، ومصادفة هذا القطع للواقع الّذي معناه أخذ المقطوع أيضا.
والتعبير الآخر عن هذا الافتراض ، هو أن يقال : إنّ القطع بشخص
__________________
(١) شرح تجريد الاعتقاد : الحلي ، ص ٢٥٤ ـ ٢٥٥.