١ ـ الوجه الأول : هو أن يقال : بأنّ المولى أخذ في موضوع الحكم الشرعي العلم بالجعل ، لكن لا كل علم بالجعل ، بل خصوص العلم الناشئ من تبليغ الحجّة ، الناشئ من الأدلة الشرعية بناء على ما أوضحناه سابقا من أنّه يعقل أخذ العلم بالجعل في موضوع المجعول دون أن يلزم محذور الدور ونحوه ، إذ كما يعقل أخذ طبيعي العلم بالجعل في موضوع المجعول ، كذلك يمكن أن يؤخذ حصة خاصة من العلم بالجعل في موضوع المجعول ، وهو العلم الناشئ من الأدلة السمعية والشرعية ، وحينئذ ، متى ما وصل الجعل بدليل عقلي بحت ، لا يكون المجعول فعليا وإن كان الجعل ثابتا ، وذلك لأنّ فعلية المجعول مقيدة بالعلم الخاص بالجعل ، وهذا العلم الخاص لم يتحقّق ، ومعه لا يكون المجعول فعليا ، إذن فالقصور في الدليل العقلي ينشأ من نقص وضيق في عالم الجعل (١).
وهذا الوجه لو فرضت تماميته فهو ، ينتج أكثر ممّا يريد إثباته هذا المنكر لحجيّة الدليل العقلي ، وذلك لأنّه ينتج ربط الحكم بالعلم السمعي ، فلو لم يعلم المكلّف بالتكليف لا بدليل سمعي ولا بدليل عقلي ، فمقتضى هذا الوجه حينئذ ، انّ المجعول ليس فعليا في حقّه ذلك لأنّ فعلية المجعول أنيطت بالعلم السمعي ، وحيث لا علم سمعي ، إذن ، لا فعلية للمجعول ، إذن فكما انّ حالات العلم العقلي تخرج عن نطاق فعلية المجعول ، فكذلك حالات اللّاعلم مطلقا تخرج عن نطاق فعلية المجعول ، ويلزم عدم كون الشاكّ مكلفا.
٢ ـ الوجه الثاني : هو أن يفرض أخذ عدم العلم العقلي بالجعل ، في موضوع المجعول ، بناء على ما أوضحناه سابقا من أنّه كما يمكن أخذ العلم بالجعل شرطا ، يمكن أخذ العلم بالجعل مانعا ، ـ أي أخذ
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٤٠.