حكما شرعيا ، وإلّا نقلنا الكلام إلى نفس هذا الحكم الشرعي ، وسألنا من جديد ، أنّه لما ذا تجب طاعته؟ وهكذا ، وفي مقام الجواب نحن ننتهي إلى أن العقل العملي يستقل بلزوم فعل ما ينبغي ، وترك ما لا ينبغي ، وانّ طاعة المولى ممّا ينبغي ، وانّ معصيته ممّا لا ينبغي ، وبالتالي يحكم باستحقاق المثوبة أو العقوبة ، فلو أنّه أنكر الحسن والقبح ثبوتا أو إثباتا لما أمكن ذلك.
وجواب هذا النقض واضح ، إذ بناء على مسلك التشكيك الإثباتي ـ القائلين بأنّ منشأ عدم التعويل على العقل هو كثرة الأخطاء ، مع الاعتراف بالحسن والقبح ـ يمكن أن يدّعى استكشاف «الحسن ، والقبح» ، أي وجوب الطاعة وحرمة المعصية ، من الأدلة الشرعية الواردة عن المعصومين عليهمالسلام ممّا دلّ على تقبيح المعصية وحسن الطاعة ، فيكون هذا بنفسه كاشفا عن قبح المعصية ، ووجوب الطاعة ، بلا حاجة إلى التعويل على الدليل عقلي ، إذن ، الحسن والقبح العقليان موجودان ، وهما يستكشفان من كلمات الشارع بعد ثبوت عدم إمكان التعويل على استقلال العقل في ذلك.
وأمّا بناء على مسلك التشكيك الثبوتي ، بمعنى إنكار أصل الحسن والقبح الواقعيين ، فإنّه حينئذ لا معنى لاستكشاف الحسن والقبح الواقعيين من الدليل الشرعي ، لأنّ ما لا واقع له ، لا معنى لإثباته بالدليل الشرعي ، ولكن حينئذ يقال : لا حاجة لإثبات قبح المعصية ، وحسن الطاعة في مقام تحريك العبد نحو الطاعة ، بل يكفينا فرض وجود العقاب على المعصية ، والثواب على الطاعة ، كما هو لسان بعض الأدلة الشرعية ، من «انّ الله تعالى يعرّض العاصي لعقاب» ، دون حاجة إلى إثبات حسن الطاعة وقبح المعصية ، إذ احتمال تعرّض العبد للعقاب والثواب ، كاف في ردعه عن المعصية ، وبعثه نحو الطاعة.