وحصول القطع ، لكن بعد الاستدلال وحصول القطع فلا ، لأنّه بعد حصول القطع ، على أيّ شيء يعاقب؟ فهل يعاقب على مخالفة هذا النهي ، أم أنّه يعاقب على مخالفة الواقع؟
فإن كان على مخالفة النهي ، فهذا النهي طريقي وليس نهيا حقيقيا نفسيا ليستحق عليه العقاب ، وإن كان على مخالفة الواقع ـ أي ما قطع به ـ فهو الآن مضطر إلى تطبيقه على قطعه ، والعمل به ، لأنّ القاطع يرى بقطعه الواقع أمام عينه ، صحيح بعد أن قطع يضطر إلى تطبيقه في الواقع ، لكنّه من التطبيق بالاضطرار بسوء الاختيار ، وهو يشبه دخول الأرض المغصوبة بسوء الاختيار ، ولذا لو أدّى هذا الاضطرار للعمل بالقطع ، إلى مخالفة حكم شرعي ، فإنّه يعاقب عليه ، لأنّه بسوء اختياره.
ومن هنا يعلم ، انّ النهي باللّسان الثاني معقول ، بمعنى النهي عن الدخول في هذا الباب والتسبّب بالأسباب العقلية إلى الأحكام الشرعية ، ولكن هذا بخلاف النهي باللّسان الأول ، لما بيّناه في بحث حجيّة القطع ، من أنّه لا يعقل جعل حكم في حق القاطع على خلاف قطعه ، إذن : فالنهي له لسانان ، فالنهي باللّسان الأول مستحيل ثبوتا ، بخلاف النهي باللّسان الثاني ، حيث أنّه معقول ثبوتا ، ولكنّه لم يدلّ عليه دليل إثباتا.
نعم قد توهم وادّعي دلالة روايات عليه إثباتا ، وأهم ما يتوهم دلالته عليه هو روايات ناهية عن العمل بالرأي وناهية عن الاستقلال عن الأئمّة عليهمالسلام ، حيث أنّ من راجعها ولاحظ ظروف صدورها ، لا يشكّ في أنّ المقصود منها ومن الإفتاء بالرأي ، هو النهي عن العمل بالقياس ، والاستحسان ، والمصالح المرسلة ونحوها من الظنون ممّا كان معروفا في وقت صدورها ، كما أنّ المقصود بها أولئك العاملين بتلك الأمور من بقية فقهاء المسلمين ممّن كانوا يجعلون أنفسهم في مقابل الأئمّة