وحينئذ ، فإن اخترنا العلية في كل من المرحلتين ، وقلنا بأنّ العلم الإجمالي علّة تامة لحرمة المخالفة القطعية ، وكذلك لوجوب الموافقة القطعية ، حينئذ لا يبقى مجال لبحث آخر إلّا من باب التطبيقات ، وأمّا إذا لم نقل بالعلية في كلتا المرحلتين وإنّما قلنا بالاقتضاء إمّا في كلتا المرحلتين ، أو في خصوص المرحلة الثانية فقط ، فهذا معناه : إنّ ورود الترخيص الشرعي في بعض الأطراف إن لم يكن في كل الأطراف ، أمر معقول ثبوتا.
ومن هنا ينفتح بحث آخر محلّه الأصول العملية ، وهو انّ أدلة الأصول العملية ، هل تفي بجريان الأصول في كل الأطراف لو أنكرنا العلية في المرحلتين ، أو في بعض الأطراف على الأقل لو أنكرنا العلية في خصوص المرحلة الثانية؟.
وبعد هذا ندخل في البحث ، حيث قلنا إنّ الكلام في تنجيز العلم الإجمالي يقع في مرحلتين ، الأولى : في تنجيزه بلحاظ حرمة المخالفة القطعية ، وأصل تنجيزه بلحاظ ذلك ، بمعنى أنّه لو خلي وطبعه يكون منجزا ، وكذلك تنجيزه بلحاظ وجوب الموافقة القطعية ، بمعنى أنّه لو خلي وطبعه لكان منجزا ، أي أنّ أصل المنجزية هو الجامع بين الاقتضاء والعلية ، وأصل هذا التنجيز إنّما نبحث عن تحصيله في العلم الإجمالي بناء على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فإذا قلنا بأنّ العقل يحكم بقبح العقاب بلا بيان ، وهو ما يسمّى بالبراءة العقلية ، فحينئذ ، بقطع النظر عن العلم الإجمالي لا منجزية هنا ، وإنّما المنجزية يجب اقتناصها من العلم الإجمالي.
ومن هنا يقع البحث بلحاظ المرحلتين ، بمعنى انّ العلم الإجمالي إلى أيّ مقدار ومدى يبدل من اللّابيان إلى البيان لكي يخرج الموضوع عن قانون قبح العقاب بلا بيان ، وأمّا بناء على مسلكنا الّذي حقّقناه في