عموم الفلاسفة ومن جاراهم من علمائنا ، وهذا بعد الفراغ عن أنّ مسألة التحسين والتقبيح عقلية لا شرعية في مقام بيان وتشخيص هوية هذه القضايا ونوعها في قائمة الصناعات الخمس في المنطق الأرسطي ، وهذا الخلاف هو المقصود بالبحث في المقام.
إذن فهنا مسلكان في تشخيص هويّة قضايا «الحسن والقبح» العقليين.
١ ـ المسلك الأول : وهو للمحقّقين من علماء العدلية ، حيث ذهبوا إلى أنّ قضايا حسن العدل وقبح الظلم مثلا هي قضايا واقعية عقلية أوليّة ، بمعنى أنّ شأن العقل في هذه القضايا هو شأن ودور المدرك الكاشف ، كما هو شأنه في القضايا النظريّة الأخرى ، غاية الأمر ، انّ هذه القضايا لها واقع موضوعي منفصل عن اعتبار العقل ثابت في نفس الأمر ، أي انّها قضايا واقعية تحقّقها بنفسها لا بوجودها الخارجي ، وأنّ إدراك العقل لها إدراك أوّلي من سنخ إدراك العقل بأنّ الكل أكبر من الجزء ، وأنّ المعلول لازم لعلّته ، وهكذا ، إدراك الإمكان والاستحالة والامتناع ، من مدركات العقل النظري ، فكما أنّ هذا الإدراك موضوعه هو محض الكشف ، كذلك العدل ، والظلم ، فالعقل وظيفته الإراءة ، وكما أنّ تلك القضايا أوليّة ، بمعنى أنّها ليست مرتبطة بتلقين أو عاطفة ، فكذلك حسن العدل ، وقبح الظلم.
٢ ـ المسلك الثاني : وهو مسلك الفلاسفة وبعض من جاراهم من علمائنا الّذين جروا على طبق المنطق الأرسطي في باب الصناعات الخمس ، حيث ذهبوا إلى أنّ حسن العدل وقبح الظلم قضايا عقلية ولكنّها ليست أوليّة ، بل هي من القضايا المشهورة.
وهذا اصطلاح وضع في المنطق الأرسطي في باب الصناعات الخمس ، حينما أرادوا سبر مواد الأقيسة والمقدّمات الداخلة في الأدلة ، فقالوا : بأنّ هذه المواد والمقدّمات على نحوين.