والخلاصة : هي أنّه لو سلّمنا تعلق القبح بالعنوان الثانوي في موارد التجري ، وبالعنوان الأولي في موارد المعصية ، فلما ذا يستوجب ذلك عدم استحقاق العقاب على المتجرّي ما دام أنّه فعل صادر منه اختيارا بعنوان قبيح.
وعليه : فهذا المسلك غير تام ، بل الصحيح هو ما ذكرناه من كون قبح الفعل المتجرّى به واستحقاق العقاب عليه بنفس مناط استحقاق العاصي للعقاب ، وهذا كلّه بناء على ما هو الصحيح من ثبوت «الحسن والقبح» العقليين وكونهما قضيتين أوليتين في العقل.
نعم للقوم مسالك تختلف النتيجة بحسبها.
وتوضيح ذلك على وجه الإجمال هو ، أنّ «الحسن والقبح» وقع فيهما خلافان.
أحدهما : خلاق بين الأشاعرة والعدلية ، حيث ذهب الأشاعرة إلى أنّ «الحسن والقبح» ليسا عقليين ، وأنّ العقل لا يدرك حسن شيء ولا قبحه ، بل هما شرعيان ، فما حسّنه الشارع فهو حسن ، وما قبّحه الشارع فهو قبيح ، وبقطع النظر عن تحسين الشارع وتقبيحه ، فإنّه ليس هناك قيم للأفعال ، كما سيأتي توضيح ذلك في تنبيه مستقل.
الثاني : في مقابل كلام الأشاعرة وهو كلام العدلية ، حيث ذهبوا إلى أنّه بقطع النظر عن تحسين الشارع وتقبيحه ، فإنّ العقل يدرك فرقا بين «الأمانة والخيانة» ، وبين «العدل والظلم» ، فالعقل يحسّن الأول ، ويقبح الثاني.
إذن : «فالحسن والقبح» قضيتان عقليتان وهذا كله خارج عن محل الكلام.
وهناك خلاف ثاني بين المحقّقين من علماء الشريعة العدلية ، وبين