مقرونة بتصديق جازم لكنّها ليست مضمونة الحقّانيّة ، بل هي الّتي يكون شفيعها عموم اعتراف العقلاء بها ، وأمّا بقطع النظر عن اعترافهم ، فهي ممّا لا يدركه العقل ، وقالوا : بأنّ قضايا العقل العملي ، «كالحسن والقبح» كلها تدخل في هذا الباب ، فهي قضايا عقلية مشهورة ، وتمام شرافتها وحسنها انّها يعترف بها عموم العقلاء ، وقد قال ابن سينا (١) ، انّ الفرق بين قضيّة انّ «الواحد نصف الاثنين» ، وبين قضيّة انّ «الظلم قبيح» ، هو أنّ القضيّة الأولى يدركها حتّى الإنسان المنعزل عن مجتمعه بل عن كل النّاس فضلا عن العقلاء ، «كحي بن يقظان» ، ولكن لا يدرك القضية الثانية ، أي قبح الظلم لو بقي مع عقله المجرد وحسّه ووحشته ، وإنّما يدرك ذلك لو كان يعيش في مجتمع قد عمّم الاعتراف فيه بهذه القضايا ، بل قيل : انّه لا واقع لهذه القضايا إلّا عموم اعتراف العقلاء بها.
وكلمات هذا المسلك غائمة مشوشة ، بل بعضها قاصر عن إفادة المطلوب ، بل انّ هذه الأفكار لم تكن واضحة في أذهانهم وضوحا محددا لأنّهم نقلوها عن المنطق الأرسطي الإغريقي في أول ما نقلوا من علومهم ، حيث لم يعطوا لهذه الكلمات المنقولة تفسيرا معقولا ، وإلّا كيف تكون قضية عقلية مقرونة بالتصديق الجازم وليس لها أساس واقع إلّا اعتراف عموم العقلاء بها؟
وسوف نذكر ما يمكن أن تنطبق عليه عبائرهم بعد تحليلها إن شاء الله تعالى.
والآن نريد أن نعمق كلا المسلكين.
__________________
(١) الشفاء ، المنطق ، البرهان : ج ٣. ابن سينا : ص ١١٧ ، ١٢٤.
الشفاء : ج ٢ ، ص ١٥٠ ، ١٥٥.