أمّا المسلك الأول : ونسميه بالمسلك العقلي الواقعي.
وحاصله : هو أنّ العقل يدرك الحسن والقبح على نحو الكشف والمرآتية ، ويرى أنّ هناك للحسن والقبح واقع موضوعي مستقل عن إدراكه لهما ، وإدراكه لهما ليس نسبته إليهما إلّا نسبة الكاشف إلى المنكشف ، إلّا أنّ هذا لا يعني أنّهما أمران واقعيان موضوعيان ، بمعنى أنّ لهما وجود في الخارج على حدّ وجود البياض والحركة ، بل هما واقعيان فقط ، ولكنّهما ليسا من الأمور الموجودة في الخارج ، فإنّ الأمور الواقعية أوسع من لوح الوجود ، فإنّ لوح الوجود مختص بخصوص الجواهر والأعراض المقولة ، وأمّا لوح الواقع فهو أوسع منه.
فهناك أمور واقعة بالوجود ، وهي الجواهر والأعراض المقولية ، فالبياض مثلا ، إنّما يكون أمرا واقعيا إذا وجد في الخارج ، وكذا الحرارة والحركة.
وهناك أمور خارجية واقعية بنفسها لا بوجودها ، وبهذا كانت تنتسب إلى لوح أوسع من لوح الوجود نسميه بلوح الواقع ، ومن هذا القبيل الملازمات الذاتية بين الأشياء ، فالملازمة بين العلّة والمعلول ، واستحالة اجتماع النقيضين ، ونحوها ، فهذه أمور واقعية ، ولكنّها ليس لها وجود في الخارج ، فإنّ استحالة اجتماع النقيضين ليس له وجود في الخارج نشير إليه ، ويستحيل أن يكون له وجود في الخارج كما سنوضحه ، فهذه الأمور واقعية وخارجية بنفسها ، ومن هنا كان لوح الواقع أوسع من لوح الوجود ، وحسن العدل ، وقبح الظلم من هذا القبيل ، فهما أمران واقعيان دون أن يكون لهما وجود في الخارج على حدّ وجود الحركة.
وهذا ما نريده من قولنا. «الحسن والقبح» أمران عقليان واقعيان ، لأنّ لوح الواقع أوسع من لوح الوجود.