ثمّ إنّه يوجد عندنا شيئان : أحدهما قبح الفعل وحسنه ، والآخر استحقاق العقاب ، وقد يتراءى الخلط بينهما في كلماتهم ، فكأنّه يفهم من كلماتهم ، أنّ الحسن والقبح واستحقاق العقاب أحدهما عين الآخر ، حيث أنّ القبح هو ما يستحقّ فاعله الذمّ والعقاب ، والحسن ما يستحقّ عليه المدح والثواب ، وبهذا يرجعون هاتين القضيتين إلى معنى واحد وهو المدح والعقاب.
ولكن الصحيح أنّهما قضيتان متغايرتان ، فإنّ حسن الفعل وقبحه ، معناه : انّ هذا الفعل ، «هل ينبغي أن يقع أو لا ينبغي وقوعه» ، بقطع النظر عن نظر الآخرين ، وأنّهم سوف يثيبون ويمدحون ، أو أنّهم سوف يعاقبون ويذمّون ، فالحسن معناه : «إنّ هذا ينبغي أن يقع ، والانبغاء هذا له مراتب ، والقبح معناه : «إنّ هذا لا ينبغي أن يقع» ، وعدم الانبغاء هذا له مراتب أيضا ، وهذا الانبغاء وعدمه ليس أمرا مجعولا ، بل مصداق «ينبغي» هنا ، هو بنفسه أمر واقعي تكويني خارجي لم يجعله جاعل ، وهذا معنى واقعيّة «الحسن والقبح».
وأمّا مسألة استحقاق العقاب والثواب ، فهذا بحث عن حسن وقبح فعل ، هو فعل المثيب أو المعاقب بحيث أنّه لو صدر الفعل من هذا الشخص ، فحينئذ يقال : الآمر ، هل ينبغي أن يعاقبه أو أنّه ينبغي أن يثيبه ، أو أنّه لا انبغاء ، وعليه فهنا قضيتان متغايرتان طوليتان : إحداهما : إنّ الخيانة لا ينبغي وإنّ الأمانة ينبغي ، والأخرى ، ان من صدرت منه الخيانة ينبغي أن يذم ، وإذا صدر منه حسن ينبغي أن يمدح ، إذن ، فهما قضيتان عقليتان متغايرتان.
أمّا القضية الأولى : إذا عمّقنا النظر فيها ، نرى أنّهم أرجعوها إلى قضية أساسية ، وهي «قبح الظلم وحسن العدل» ، وقالوا : بأنّ «الحسن والقبح» مرجعهما إلى هاتين القضيتين الأساسيتين وهما «قبح الظلم ، وحسن العدل».