ونحن إنّما نريد أن نحلل هذا لنثبت من خلاله أنّ قضية قبح الظلم في تركيبها خطأ منطقي ، وهي ترجع إلى تركيب منطقي آخر ، وإن كان مضمونها صحيحا ، فالظلم قبيح ، ومعنى قبيح يعني أنّه لا ينبغي وقوعه ، إذن ، هذه القضية لها موضوع ومحمول ، فموضوعها الظلم ، ومحمولها لا ينبغي ، أمّا الموضوع ، وهو الظلم ، فمعناه «سلب ذي الحق حقّه» إذن ، الحق أمر مستبطن في معنى الظلم ومفروض فيه ، وهذا الحق ليس عبارة عن حق من الحقوق المجعولة ، لأنّنا نتكلم عن عالم مدركات العقل العملي ، أي الحسن والقبح الثابتين بقطع النظر عن جعل جاعل ، بل هي واقعية تكوينية ، كما لو فرض أنّ لزيد حق واقعي تكويني على عمرو ، وهذا يسلبه حقّه ، ومعنى أنّ له حقّ عليه ، متمثل في أن يطيعه ويتأدّب أمامه ، وهذا معناه : انّ عمرا ينبغي له أن يطيعه ، فهذا التعبير هو عين ذاك ، فقولنا : يحقّ لزيد على عمرو أن يطيعه ، يعني أنّ عمروا عليه أن يتأدّب بين يديه ، يعني لا ينبغي له أن يخالفه ، إذن ، بحسب التحليل ، مفهوم الظلم قد استبطن بنفسه عدم الانبغاء ، فالظلم الّذي هو موضوع القضية ، يرجع بحسب التحليل إلى أنّ عمروا لا ينبغي له أن يخالفه ، إذن ، فترجع قضية انّ الظلم قبيح ، إلى ان ترك فعل عمرو إلى ما لا ينبغي اتجاه زيد ، أي إلى عدم الانبغاء ، فتكون القضية ضرورية بشرط المحمول ، إذن ، فلا معنى لهذه القضية إلّا مجرد الإشارة إلى موارد الظلم خارجا ، وإلّا ، فبحسب هذا التحليل ، صار المحمول مستبطنا في الموضوع ، وهذا لا معنى له ، وعليه فتركيب هذه القضية المنطقي خطأ.
والتركيب الصحيح هو أن يقال : الخيانة قبيحة ، والكذب قبيح ، وهتك المولى قبيح ونحوه ، فهنا لا يكون المحمول مستبطنا في الموضوع. وبالجملة : إذا أردنا الإشارة إليها نقول : الظلم قبيح ، فهذه القضية منتزعة من مجموع قضايا ، وأصل المطلب هو تلك القضايا ، من قبيل مخالفة المنعم قبيحة ، وهي محل كلامنا.