وأمّا القضية الثانية : وهي قضية مخالفة المولى المنعم قبيحة ، فقد جعلوها ذات القضية الأولى ، وقد عرفت أنّها قضية أخرى موضوعها فعل العقلاء ومواقفهم من فاعل القبيح ، إذن فهذه القضية غير تلك ، بل هما قضيتان طوليتان.
والآن نأتي إلى القضية الأولى ، وهي قضية أنّ مخالفة المنعم قبيحة ، أي قضية الفعل القبيح ، فهنا قد يقع الخطأ في تشخيصه ، وهذا الخطأ قد يكون بمعنى أنّ الشيء ثابت ، لكن هو لم يدرك ثبوته ، وقد يكون العكس ، أي أنّ الشيء غير ثابت ولكن تخيّل ثبوته ، فالخطأ تارة يكون بنحو التوسيع ، وأخرى يكون بنحو التضييق ، فالأول خطأ في التضييق ، والثاني ، خطأ في التوسيع.
أمّا الخطأ في التضييق ، فهو في قضية المولى المنعم يقبح مخالفته ، وهذه القضية فيها ، كبرى ، وصغرى ، فالكبرى ، هي «قبح مخالفة المنعم» ، والصغرى هي ، «إنّ هذا مولى منعم» ، وهذه مخالفة للمولى المنعم ، حينئذ ، الخطأ بنحو التضييق ، تارة يكون في الكبرى ، وأخرى يكون في الصغرى ، إذن ، فعندنا نحوان من الخطأ ، فالخطأ في الكبرى بنحو التضييق معناه : انّه بحسب لوح الواقع ، المولى المنعم يقبح مخالفته ، لكن هذا الإنسان لقصور في عقله لم يدرك القبح في مخالفة المولى ، وهذا المطلب ، تارة يتصور بنحو كلي ، بمعنى إنّ هذا الإنسان القاصر في عقله لا يتصور قبح المخالفة أصلا فضلا عن إدراكها ، فهو لا يدرك قبح مخالفة المنعم سواء في القطع أو الظن أو غيره ، وأخرى لا ينفي الكبرى رأسا ، وإنّما ينفي إطلاقها ، من قبيل القائلين بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فهؤلاء وإن نسجوا مصطلحات دون أن يشعروا بأنّهم يلغون بهذا قبح مخالفة المولى وإنّ هذا على خلاف مولويته وانّ مرجع هذا وروحه إلى أنّه لا يقبح مخالفة المولى المنعم في المجهولات ،