فيكونوا قد نفوا إطلاق الكبرى ، لا الكبرى رأسا ، وسمّوه بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فمثل هذا يكون خطأ بنحو التضييق بلحاظ الكبرى ، فمن ارتكب الخطأ ، فهل يؤثر في رفع قبح المخالفة في حقّه؟ أي انّ عدم علمه بالقبح الّذي هو أمر واقعي ، هل يمنع عن فعليّة القبح؟ طبعا لا ، إذ يستحيل ذلك ، لأنّه لو كان يمنع عن فعليّة القبح لكان القبح مشروطا بالعلم به ، وهو محال ودور ، لأنّ معناه : انّ الشيء موقوف وجوده على العلم بوجوده ، وهو دور ، وعليه فالقاصر الّذي لم يدرك أصل كبرى قبح مخالفة المنعم ، أو الّذي لم يدرك إطلاق هذه الكبرى ، يبقى القبح فعلي في حقّه ، فلو خالف المولى ، إذن فقد ارتكب ما لا ينبغي ، وهو معنى القبح ، لأنّ عدم الانبغاء يستحيل كونه مشروطا بالعلم ، لأنّ الشيء لا يكون مشروطا بالعلم بنفسه.
إذن فالخطأ بنحو التضييق لا يوجب نفي القضية الأولى ، وهي قبح المخالفة.
لكن يمكن أن يقال : بأنّ هذا الخطأ يوجب نفي القضية الثانية ، وهي استحقاق العقاب ، فيقال : بأنّ استحقاق العقاب الّذي يرجع إلى قولنا : إنّ المولى الّذي ينبغي له أن يعاقب لا يقبح منه أن يعاقب ، فهذه القضية مشروطة بالعلم بالأولى ، لأنّه لم يجعل العلم بشيء شرط في نفس ذلك الشيء ، إذن فلا يلزم في هذه القضية دور ، لأنّ هذه القضية غير تلك القضية ، إذن فيمكن أن نقول : إنّ حسن العقاب واستحقاقه مشروط بالعلم بالقضية الأولى ولا دور ، وحينئذ ، القاصر لا يعاقب وإن ارتكب قبيحا ، لأنّه لم يعلم بالأولى ، فمن تمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان يقول : بأنّ مثل هذا القاصر لا يستحقّ العقاب لأنّه خالف المولى بلا بيان ، والمفروض أنّ القضية الثانية مشروطة بالعلم بالقضية الأولى ، فهذا خطأ بنحو التضييق بلحاظ الكبرى.