وبيان الشبهة الثبوتية هي أن يقال : بأنّ حسن العدل وقبح الظلم لو كانا صفتين خارجيتين على حدّ الصفات الخارجية الّتي لها واقع خارجي من قبيل البياض والحركة والحرارة ، إذن ، لاحتاجت إلى محل تتقوم به موجود في الخارج ، لأنّ الصفة الخارجية بحاجة إلى محل في الخارج ، ولهذا نجد أنّ البياض الّذي هو صفة خارجية يحتاج إلى جسم يعرض له ، وكذلك الحرارة ، وهنا : «الحسن والقبح» معروضهما هو العدل والظلم ، حتّى قبل وجودهما خارجا ، فإنّ العدل ليس معناه أنّه بعد أن يوجد يكون حسنا ، بل هو حسن على أيّ حال ، وجد في الخارج أو لم يوجد ، وكذلك قبح الظلم ، إذن ، فهما لو كانا صفتين خارجيتين لكانت خارجيتهما فرع خارجية موصوفهما ، بينما نجد أنّ معروضهما متحقّق قبل تحققهما خارجا ، أي قبل تحقق موصوفهما خارجا ، فيكون هذا برهان على أنّهما ليسا من الصفات الخارجية ، وهذا برهان على أنّهما من الصفات الجعلية.
وجواب هذا التقريب هو أن يقال : إنّه لو كان المقصود من كونهما صفتين خارجيتين ، يعني أنّهما صفتان موجودتان في الخارج على حدّ وجود البياض ونحوه ، لكان البرهان المتقدّم برهانا على عدم الخارجية الوجودية ، وإنّما خارجيتهما ـ كما ذكر المبرهن ـ خارجية ثابتة في لوح الواقع الّذي هو أوسع من لوح الوجود ، إذن ، فهما واقعان بأنفسهما لا بوجودهما ، وحينئذ ، لا يحتاجان في عالم الوجود الخارجي إلى فعليّة الموصوف ، وإلّا فلو كان لهما وجود خارجي محتاج إلى فعليّة الموصوف ، لكانت فعلية الموصوف هذا واجبة ، ومعها يتعدد الواجب ، فإمكان الإنسان مثلا أمر واقعي ، ولكن ليس معنى هذا أنّه موجود في الخارج ، وإلّا لكان لا بدّ للإمكان هذا من إمكان آخر وهكذا يتسلسل ، إذن فالأمور الواقعية لا تحتاج إلى فعلية موصوفها في الخارج ، إذن ، فالشبهة الثبوتية لا أساس لها.