الحكماء ، حيث أنّهم يصرحون بأنّ القضايا المشهورة ـ والّتي جعل الحسن والقبح منها ـ هي قضايا مقرونة بالتصديق الجازم ومحط له ، كما في القضايا الضرورية ، غاية الأمر انّ التصديق الجازم في القضايا المشهورة أضعف جنبة من ناحية الحقّانيّة ومضمونيتها من التصديق الجازم في باب القضايا الضرورية.
ومن الواضح انّه مع الاعتراف بأنّ القضايا المشهورة تستبطن تصديقا جازما بمفادها ، فهذا يستلزم كون القضية خبرية تصديقيّة لا إنشائية جعلية ، وإلّا لو كانت قضايا مجعولة فما معنى تصديق العقلاء بالحسن والقبح وجعلهم بالنسبة للعاقل الأول قبل وجود العقلاء إذا كان عبارة عن جعل الحكم واتخاذ الموقف ، حيث ينبغي أن يقال بعدم قبح الظلم وحسن العدل في حق العاقل الأول ، مع أنّ هذا خلاف الوجدان.
إذن فلا بدّ وأن تكون هذه القضايا واقعية إخبارية لا إنشائية ، حيث أنّهم اعترفوا بأنّ التصديق الجازم تستبطنه القضية المشهورة كما اعترف بذلك المنطق الأرسطي ، وعليه : فلا بدّ أن نفرض انّ القضية المشهورة فيها جنبة حكاية وإراءة ، وإنّها غير متمحضة في الناحية الإنشائية.
إذن ، فتفسير القضايا المشهورة بالمعنى الّذي يقدره المناطقة ، بأنّها عبارة عن أحكام من قبل العقلاء ، لا ينطبق على مصادر البحث مع المنطق الأرسطي.
ثمّ انّ دعوى كون الحسن والقبح أمرا جعليا إنشائيا إيجاديا لا واقعيا خارجيا ، إمّا أن ترجع إلى دعوى ثبوتية أو دعوى إثباتية.
أمّا رجوعها إلى دعوى ثبوتية فهي أن يقال : بأنّ حسن العدل وقبح الظلم يستحيل كونهما أمرين خارجيين ، فيتعين أن يكونا أمرين إنشائيين جعليّين بالبرهان ، فالمطلب حينئذ ثبوتي.