وحاصل هذه الفرضية ، هو ، انّ الحسن والقبح عبارة عن حكمين مجعولين من قبل العقلاء ، وهذان الحكمان يتميزان عن سائر الأحكام العقلائية في نكتة : وهي انّ الحسن والقبح حكمان تطابق العقلاء على جعلهما ، لا أنّه حكم مجعول من قبل بعض العقلاء دون بعض ، وذلك باعتبار تطابق العقلاء على إدراك المصالح والمفاسد الّتي من وراء ذلك ، فالحسن والقبح إذن قضية إنشائية جعلية ، وملاك هذا القضية الإنشائية هو تطابقهم في إدراك الملاك وهو المصلحة والمفسدة ، فإنّهم كلهم يدركون المصلحة فيما يحكمون بحسنه ، والمفسدة فيما يحكمون بقبحه ، ومن هنا كان هذا الحكم عاما وقضية مشهورة.
ومثل هذه الفرضة أيضا هي مدّعى أكثر من واحد ممّن فسّر الحسن والقبح بأنّهما موقفان عمليان للعقلاء لا حكمان مجعولان ، إذ في جملة من كتب المنطق فسّر الحسن بمعنى مدح العقلاء ، والقبح بعنى ذمّهم ، والمدح والذمّ فعلان من أفعال العقلاء فيهما جنبة إيجادية لا إخبارية وكاشفيّة.
وهذا روحه روح الأول ، فهو والأول يشتركان في كون الحسن والقبح قضية إنشائية.
نعم ، يبقى انّ الحسن والقبح بالبيان الأول حكمان مجعولان ، وبالبيان الثاني يكونان موقفين عمليين للعقلاء.
سواء كان الأول ، أو الثاني ، فملاكهما واحد هو المصلحة والمفسدة ، بدعوى أنّنا لا ندرك شيئا آخر في الخارج وراء المصلحة والمفسدة في الأفعال ، وإذا وجدنا ذمّ العقلاء ومدحهم فإنّما هو تبعا للمفسدة والمصلحة.
وهذه الفرضية لا تنطبق على كلمات أصحاب هذا المسلك من