فهو انّ صاحب التصور الثالث يرى أنّ حقّ المولوية مخصوص بمورد العصيان ، وعليه ، فظلمه لا يكون إلّا في مورد العصيان.
لكنّا كنّا نقول : بأنّ هذا يدّعي أنّ القبح ليس موضوعه الظلم ، بل الإتيان بما يعتقد كونه ظلما ، وحينئذ ، فلا يوجد قبحان ، وقد كان هذا صيغة جدلية مؤقتة إلى الآن.
أمّا الآن فقد اتضح بطلان هذه الصيغة ولا بدّ من الرّجوع إلى التصور الثاني ، إذ حقّ المولوية عبارة عن قبح المخالفة ، والظلم عبارة عن فعل القبح ، فلو قيل بأنّ الإقدام على هذا قبيح ، فلا بدّ أن يكون قبح آخر وراء هذا القبح ، ويلزم من هنا أسوئيّة العاصي على المتجري.
والحاصل هو أنّه لا بدّ من الرّجوع إلى التصور الثاني لأنّ قبح الإقدام على المعصية إن كان غير القبح الأولي لزم صدور قبحين من العاصي ، وإن كان نفس قبح الظلم فلا بدّ من افتراض أنّ موضوعه يشمل القاطع أي أنّ تمام موضوعه القطع ، وهو التصور الثاني ، هذا هو مسلك متهور العدلية الصحيح.
٢ ـ المسلك الثاني : من مسلكي الحسن والقبح ، وهو المسلك الّذي يعترف كالمسلك الأول «بالحسن والقبح» العقليّين ، ولكنّه يعتبر أنّهما من القضايا المشهورة الّتي تدخل في صناعة الجدل دون أن تدخل في صناعة البرهان ، وهذا المسلك هناك فرضيتان لتفسيره.
١ ـ الفرضية الأولى : هي ما يتراءى من كلمات السيّد الخوئي «قده» (١) حينما يتحدث عن هذا المسلك ، حيث يفهم منه أنّه يرجع قضية الحسن والقبح إلى كونهما قضية إنشائية لدى العقلاء وحكمية وإيجادية ، لا قضية خبرية ناظرة إلى واقع وموطن خارج أفقها.
__________________
(١) أجود التقريرات : الخوئي ، ج ٢ ، ص ٢٧ ـ ٣٠.