الوجه المختار :
قد عرفت أنّه لا وجه لاختصاص أخبار من بلغ بالمستحبات ، فإنّ لسان أكثرها بلوغ الثواب ، ومن الواضح شمول عنوان الثواب لكل عمل يثاب على فعله واجباً كان أو مستحباً ، بل يعم الحرام أيضاً ، فإنّ الثواب بحسب اللغة عبارة عن جزاء العمل خيراً كان أو شراً ، قال تعالى : (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ) (١).
كما قال سبحانه : (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (٢).
قال الراغب في مفرداته : الثواب ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله والثواب يقال في الخير والشر (٣).
وقد عرفت شهادة بعض الأخبار على ذلك.
وهذه نكتة مهمة في المسألة ، غفل القوم عنها ولذا جعل بعضهم هذه الأخبار دليلاً على التسامح في أدلّة المندوبات ، كما جعلها بعض آخر دليلاً على نفس الاستحباب الشرعي. والتحقيق أنّ مفاد هذه الأخبار هو الإخبار عن تفضل الله سبحانه بالنسبة إلى عباده من دون نظر إلى حكم العمل وأنّه على أي وجه يقع ومن دون التفات إلى إلغاء شرائط الحجية في باب المندوبات أصلاً ، فإنّ لسانها والمنساق منها أجنبي عن ذلك جداً ، فهي في صدد بيان أنّ كل عمل يفعله المؤمن اتكالاً على تفضله وعنايته سبحانه ، لا يكون بدون الأجر والجزاء.
وبعبارة أُخرى أنّ الخبر وإن بلغ في الاعتبار والصحة ما بلغ إلّا أنّه لما يحتمل أن لا يكون مطابقاً للواقع سواء كان في واجب أو مستحب أو ترك حرام أو مكروه ،
__________________
(١) المائدة : ٨٥.
(٢) المطففين : ٣٦.
(٣) مفردات الراغب : ١٨.