بقواعد الإعراب والبناء ، كما إنّ هذه الضآلة في الموادّ اللغويّة المستعملة بالنّسبة للمهملة ، تدل على فداحة المقدار الضائع والذي لم يصل إلينا من لغة العرب ، إذ لو لا القرآن والسنة والتدوين لا ندثر الكثير من لغة العرب ، كما حصل ذلك بالفعل من قبل كما سمعت.
وعليه فالإسلام أقرّ تعدّد اللهجات للحفاظ على الوحدة الفكرية والسياسية عند العرب ، وقد عقد ابن جني في خصائصه فصلا باسم ( اختلاف اللغات وكلّها حجة ) قال فيه : ... لو استعملها لم يكن مخطئا لكلام العرب لكنه يكون مخطئا لأجود اللغتين (١).
وقال : فان كانت اللفظتان في كلام متساويتين في الاستعمال ، كثرتهما واحدة ، فإنّ أخلق الأمر به أن تكون قبيلته تواضعت في ذلك المعنى على ذينك اللفظين ؛ لأنّ العرب قد تفعل ذلك للحاجة إليه في أوزان أشعارها وسعة تصرّف أقوالها .. (٢)
وقال ابن هشام : كان العرب ينشد بعضهم شعر بعض ، وكلّ يتكلم على مقتضى سجيته الّتي فطر عليها ، ومن هنا كثرت الروايات في بعض الأبيات .. (٣)
وقد نقل ابن جني حكاية عن الأصمعي قال فيها : اختلف رجلان في الصقر ، فقال أحدهما ( الصقر ) بالصاد ، وقال الآخر : ( السقر ) بالسين ، فتراضيا بأول وارد عليهما فحكيا له ما هما فيه ، فقال : لا أقول كما قلتما ، إنّما هو ( الزقر ).
ويعلق ابن جني على هذا بقوله : أفلا ترى إلى كلّ واحد من الثلاثة كيف أفاد في
__________________
(١) الخصائص ٢ : ١٢.
(٢) الخصائص ١ : ٣٧٢.
(٣) المزهر ١ : ٢٦١ ، وقارن بالنحو العربي على ضوء اللغات الساميّة ٣٩ ـ ٤٠.