القاموس كغيره من الكتب اللغة ، فيه الغث والسمين ، والشهد والحنظل ، وفيه الصحيح كما فيه الأوهام والاغاليط والتصحيفات.
وهذا الكتاب نال من الشهرة وذيوع الصيت ما ندر أن يناله كتاب آخر من كتب اللغة ومعاجمها ، حتّى أنّ لفظة القاموس التي معناها البحر العظيم ووسطه ومعظمه وقعره الأقصى صارت علما لغويّا لمعجم الفيروزآبادي ، ثمّ لذيوع هذا الكتاب وشهرته بين الناس صارت كلمة القاموس تطلق توسّعا على كل معجم لغوي أو غيره ، فيقال : القاموس اللغوي ، والقاموس الانجليزي ، وقاموس الأمثال ، وقاموس الرجال ، وغيرها (١).
ورغم ما ناله هذا الكتاب من الإعجاب ، وما قيل في مدحه وإطرائه ، ورغم ما كتب حوله من تأليفات في مختلف زواياه ، بالشرح والاختصار والتوضيح وفك غوامضه ونقده وتوهيمه والمقارنة بينه وبين الصحاح ، رغم كل ذلك نرى أنّ هذا المعجم اللغويّ على جلالته كأنّه كتاب رموز وطلاسم ، جعل مؤلفه ، اللغة من خلاله في قوالب جامدة متحجرة ، بحيث إن القارئ فيه لا يتذوق حلاوة اللغة وحسن استعمالاتها وشواردها ونوادرها ، ولا يجد الروح الحية النابضة التي امتازت بها لغة العرب ، ولا يحس بطلاوتها وحسن رونقها ، وجمال تنوع أساليبها ، وفنون ملحها ونوادرها وحكاياتها.
وحسبك دليلا على ذلك أنّك تجد أئمّة اللغة والمعنيين بها كأنّهم لم يكادوا يستسيغون بقاءه على ما هو عليه ، لما فيه من الوعورة والصعوبة والاختصار
__________________
(١) انظر المعجم الوسيط ٢ : ٧٥٨ ، ومقدمة الصحاح : ١٧٣.