وهنا يظهر منهج السيّد في توفيقه بين المسموع والأصول اللغوية والصرفية في الاشتقاق ، فلذلك لم يذهب السيّد المصنف إلى ما في اللسان من التكلّف في ردّ « فقآن » إلى فقيء ، لأن « فعلان » من جموع فعل المسموعة أيضا ، وقد نقله من علمت فلا معدل عنه.
ولا يخفى عليك أنّ هذا بخلاف « المساوئ » فإنّ كونها لا واحد لها يحتاج إلى دليل ، مع أنّه مفقود فهي دعوى مجرّدة يدحضها وجود مفرد صحيح الاشتقاق مصرّح به ، وأمّا كونها جمعا لـ « سوء » على غير قياس فهو الرأي الآخر الّذي لا يصار إليه ما دام هناك مصرّحون بوجود مفرد لها مطابق للقياس الصرفي والأصل اللغوي.
فها هو يأخذ السماع أوّلا إذا كان صحيحا ، كما أنّه يأخذ بالقياس في موارده ، ويحكمه ، وإذا تعدّدت الآراء ، أو تعدّد المسموع ، أثبت المسموع الذي يطابق قواعد الصرف وأصول اللغة.
ومن هنا نرى السيّد المدني يعرض عن النقل الذي لا يوافق الاصول إذا كان ذلك النقل غير ثابت عن الاثبات ، فمع ما قدمنا من اعتماده على كتب الاثر والحديث واخذه اللغات منها ، نراه لا يعبأ بما يخالف الاصول من النقل غير الثبت ، بل يجزم بأنّه من خطأ الرواة.
قال في الاثر من مادة « وجأ » : « ضحى بكبشين موجوئين ، ولا تقل : موجأين ـ كمكرمين ـ فانه من خطأ الرواة ». فحكم بخطأ الرواة حين رووا ما يخالف قواعد الاشتقاق الصرفي ؛ لان اسم المفعول من « وجأ » موجوء ، وهذا ما جاءت به الروايات الصحيحة عن الرواة الضابطين.
وأمّا ما نقلوه بلفظ « موجأين » فانه لا يستقيم ؛ لانه يقتضي كونه مشتقا من « أوجأه » وهو غير وارد في كلام العرب ، فتكون الرواية الثانية من خطأ الرواة لا محالة.