هذا ، وإنّ القرآن نزل بنبر الهمزة ، وهو يدلّ على أنّه كان يتّخذ لحن تميم في بعض الأحيان تخفيفا منه على القبائل ومراعاة للهجاتها ، وأنّه لم يلزم أحدا بتحقيق الهمزة وإن التزمه في الوحي ، فمالت قراءات أكثر الحجازيّين إلى التسهيل لا النبر كما هي الحال في قراءة نافع وأبي جعفر من أشهر قراء المدينة ، فإنهما يقرآن ( وبيس المهاد ) ( واصبح فواد أمّ موسى فارغا ) ( خاسياً وهو حسير ).
ومن الفروق بين تميم وقريش أيضا أنّ تميما تجنح كثيرا إلى إدغام المثلين أو الحرفين المتجاورين المتقاربين ، فالأمر من ( غض ) في لغة أهل الحجاز ( اغضض ) بالفكّ كما جاء في قوله تعالى : ( وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ) ـ أي اخفض الصوت ـ وأهل نجد يقولون ( غضّ صوتك ) بالإدغام.
وتميم تقول ( إن تمسّكم حسنة ) و ( من يحلّ عليه غضبي ) ( ولا تمنّ تستكثر ) وهي جميعا في القرآن بلهجة قريش مفكوكة الإدغام.
كانت هذه نماذج من اختلاف اللهجات عند العرب وإن لم يكن هدفنا جمع فتات ذلك ، حيث إنّ كتب اللغة كفيلة بجمع هذا المتناثر من اللهجات عند القبائل وتدوينه كي يؤمن من الدخيل.
نعم ، إنّ علماء اللغة من أجل المحافظة على أصالة القرآن والحديث النبوي ولغة العرب ، جدّوا في جمع تلك المواد اللغوية في مصنّفاتهم ، فمنهم من جمعها على حسب الموضوعات ، وآخر جمعها على آخر الكلمة ( لام الفعل ) ، وثالث جمعها وفق احرف الهجاء في أوّل الكلمة ( فاء الفعل ) ، و و و ... ، وكلّ اتّبع أسلوبا يختصّ به ، وإليك ذلك على نحو التفصيل الأوّلي :