وليس المهم هنا مناقشة رأي الاستاذ المذكور ، بقدر ما يهمّنا القول بأنّ فصل المجاز عن الحقيقة ، وتشخيصه وتعيينه ، مهمه صعبة جدا شاقة ، وأنّ اللغويين القدامى ـ وكقدر متيقن حتّى عصر الزمخشري ـ ما كانوا يفصلونهما عن بعضهما ، مما جعل القيام بهذه المهمة أمرا غايه في الصعوبة ، فلا يستطيعها إلاّ الأوحدي من اللغويين وأرباب الادب.
هذا وقد كتب الأصوليون في مباحث الألفاظ بحوثا قيمة جدّا جدير بالأدباء أن لا يغفلوها وان يضعوها نصب أعينهم ، في كيفية التفريق بين الحقيقة والمجاز ، وما هو المصحح للمجاز من العلاقات أو على نحو الحقيقة الادعائية وهو المجاز الذي أصّله السكاكي ، أو لغيره من الوجوه المصحّحه للمجاز (١) ، بصرف النظر عن الرأي البعيد القائل بعدم وجود المجاز أصلا في كلام العرب وان كل ما استعملوه فهو على نحو الحقيقة.
وفي زحمة هذا الخلاف ، والاختلاف في تعريف المجاز رأينا أن نثبت ما عرّف به السّد المصنف المجاز ، في مادة « جوز » فقال :
|
المجاز : ما عدل به من اللفظ عما يوجبه أصل اللغة ، وهو ما استعمل في غير ما وضع له لمناسبة بينهما ، فإن كانت العلاقة المصحّحة له غير المشابه فهو مرسل ؛ كاليد في النعمة ، لانها مصدرها ، وإلاّ فاستعارة ؛ كالأسد في الشجاع. والمجاز العقلي : إسناد الفعل إلى غير ما حقّه أن يسند إليه ، ك « بنى الأمير المدينة » ، أو إيقاعه على غير ما حقّه ان يوقع عليه |
__________________
(١) انظر على سبيل المثال وقاية الاذهان : ١٠١ ـ ١١٩.