فيه إلى هؤلاء العلماء من غير سماع.
قال : وإنما إخباري عنهم إخبار من صحفهم ، ولا يزري ذلك على من عرف الغثّ من السمين ، وميّز بين الصحيح والسقيم ، وقد فعل مثل ذلك أبو تراب صاحب كتاب الاعتقاب ، فإنّه روى عن الخليل بن أحمد ، وأبي عمرو بن العلاء ، والكسائي ، وبينه وبين هؤلاء فترة.
قال : وكذلك القتيبي ، روى عن سيبويه والأصمعي وأبي عمرو ، وهو لم ير منهم أحدا. ثمّ قال الأزهري تعليقا على ذلك :
« وقد اعترف البشتي بأنّه لا سماع له في شيء من هذه الكتب ، وأنّه نقل ما نقل إلى كتابه من صحفهم ، واعتلّ بأنّه لا يزري ذلك بمن عرف الغثّ من السمين ، وليس كما قال ، لأنّه اعترف بأنّه صحفي ، والصحفيّ إذا كان رأس ماله صحفا قرأها فإنّه يصحّف فيكثر ، وذلك أنّه يخبر عن كتب لم يسمعها ودفاتر لم يدر أصحيح ما كتب فيها أم لا ، وإن أكثر ما قرأنا من الصحف الّتي لم تضبط بالنقط الصحيح ، ولم يتولّ تصحيحها أهل المعرفة ، لسقيمة لا يعتمدها إلاّ جاهل ».
ثمّ عرّج الأزهري على أمر آخر وهو تجاسر البشتي على الخليل و ...
والحقّ هو أنّ الأزهرى لم ينصف في محاكمته للبشتي ، لأنّ كون السماع لا يساوق الصحة دائما أمر مفروغ عنه ، ولكن من سمعوا وقعوا أيضا في الغلط والتصحيف والتحريف فهاهم أئمّة اللغة العربية صحّفوا وحرّفوا ووقعوا في أفحش الأغلاط ، كالأصمعي وقطرب ، وأبي عمرو بن العلاء ، والمفضّل بن سلمة ، والخليل وسيبويه ، وابي الخطاب والأخفش وابن الأعرابي والفراء واللحياني والجاحظ وثعلب وابن قتيبة والمبرد وابن السّكّيت ، وقد فصّل حمزة بن الحسن الاصبهاني هذه التصحيفات في كتابه ( التنبيه على حدوث التصحيف ).