(ثُمَّ فُصِّلَتْ) : أي : بينت للأرواح العارفة والقلوب الشائقة مصارفها وحقائقها ، وتلك الايات معرفة الصفات والذات لأهل المشاهدات والمكاشفات تعرف لهم أحكام الربوبية والعبودية ؛ ليشهدوا بأنوارها شهود أنوار الحق ، ويعلموا ما يجري من أحكام الغيب القدري على الخلق.
قوله تعالى : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) : هو من كلام أزلي حكيم ؛ إذ حكم باصطفائية عرفانه بمعرفته (خَبِيرٌ) باستعدادهم وقبولهم بوصف محبة عبوديته.
قال بعضهم : (أُحْكِمَتْ آياتُهُ) في قلوب العارفين ، (ثُمَّ فُصِّلَتْ) أحكامه على أبدان العاملين.
قيل : (أُحْكِمَتْ آياتُهُ) بالكرامات وفصلت بالبينات.
قال الأستاذ في قوله : (أُحْكِمَتْ) : حفظت عن التغيير التبديل ، ثم فصلت تبيان نعوت الحق فيما يتصف به من جلال الصمدية ، وما يعبد به الخلق من أحكام العبودية.
ثم بيّن سبب نزول الكتب بهذه الأوصاف ؛ ألا يكون العباد إلا لمولاهم ، لما كان بينهم من مواصلة المحبة ووجوب الربوبية والعبودية بقوله : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أي : لا يلتفتوا إلى ما الله في عباده الله ، ثم بيّن أنه عليهالسلام نذير بعظائم قهره وبشير بلطائف وصله.
قال الأستاذ : نذير من الله بالفرقة ، بشير بدوام الوصلة.
ثم أمرهم بالافتقار إلى مشاهدته والافتخار بوصاله والاستغفار عن ملاحظة غيره في طلبه إدراك جماله ، والرجوع من قهره إلى لطفه ، ومن النفوس وحظها وهواها إلى مراده ومتابعة أمره بقوله : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) : استغفروا من جنايات الأسرار ، وتوبوا إليه لطلب الأنوار ترك النظر إلى الأغيار قدم الاستغفار على التوبة ؛ لأن الاستغفار تقديس ، والتوبة تخليص ، الاستغفار من الزلل ، والتوبة من الغفل.
سئل سهل بن عبد الله عن الاستغفار؟ فقال : هو الإجابة ، ثم الإنابة ، ثم التوبة ، ثم الاستغفار ، والاستغفار بالظاهر ، والإنابة بالقلب ، والتوبة مداومة الاستغفار من تقصيره فيها.
وقال بعضهم : استغفروا ربكم عن الدعاوى ، وتوبوا إليه من الخطرات المذمومة.
وقال يوسف : استغفار العام من الذنوب ، واستغفار الخاص من رؤية الأفعال دون رؤية المنة والفضل ، واستغفار الأكابر من رؤية كل شيء سوى الحق لما بلغت في ذكر التفسير ، إلى ها هنا سألني بعض أهل الصحبة عن حقائق استغفار العارفين؟ فقلت : استغفارهم عن