كون وجودهم مع كون الحق ، وعن تقصيرهم في المعرفة عن إدراك حقائق صفات معروفهم ، وعن دعوى الأنائية في السكر في مقام صحوهم ، وعن غاشية عين العبودية في مشاهدة الربوبية.
ألا ترى إلى قوله عليهالسلام : «إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة» (١) ، ومن جملة استغفاره عليهالسلام في هذا المقام استغفار من رؤية وجوده الحق ، وعن رؤية مشاهدة الالتباس في رؤية مشاهدة صرف الوحدانية ، وعن خواطر الأنائية.
ثم بيّن أنه تعالى يجازيهم بعد رجوعهم مما سوى الحق إلى الحق بالتمتع بلقائه ووصاله والفرح بجماله أبد الابدين بقوله : (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) : المتاع الحسن أنوار المواجيد على الدوام ، وصفاء الأحوال على السرمدية ، وسنا الأذكار وحلاوة الأفكار ، ونزول حقائق الكواشف ، وظهور لطائف المعارف ، والفرح برضوان الله ، ولين العيش في مشاهدة الله ، ما أحسن هذا المتاع منا في منّ الدنيا لقاؤك مرة! فإن نلتها استوفيت كل منائيا.
قوله تعالى : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) : يؤتي فضل مشاهدته لمن له فضل المعرفة ، ويؤتي فضل وصاله لمن له فضل الشوق إلى جماله ، ويؤتي فضل الكرامات لمن له فضل العبادات ، ويؤتي فضل التحقيق لمن له فضل التوفيق ، ويؤتي فضل كفاية الأبد لمن له فضل عناية الأزل ، ويؤتي كل ذي فضل الندامة على ما سلف من ذنوبه ، والاستغفار من الله والرجوع من نفسه إلى خالقه فضل طمأنينة القلب بالذكر ، وفضل رؤية منه الحق بنعت نسيان الخلق ، ووصل المؤانسة بروح الوصال ، ولذة نور الجمال.
قال الواسطي في قوله : (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) : طيب النفس ، وسعة الرزق ، والرضا بالمقدور.
وقال سهل : هو ترك الخلق والإقبال على الحق.
قال أبو الحسن الوراق : يرزقكم صحبة الفقراء الصادقين.
وقال الجنيد : لا شيء أحسن على العبيد من ملازمة الحقيقة ، وحفظ السر مع الله ، وهو تفسير قوله : (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً).
قال الحسين : (مَتاعاً حَسَناً) : الرضا بالميسور ، والصبر على كرمه المقدور.
وقال الواسطي : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) : ذو الفضل من رزق بعد الاستغفار ، والتوبة حسن الإنابة والإخبات مع دوام الخشوع.
__________________
(١) تقدم تخريجه.