قال النصر آبادي : رؤية الفصل يقطع عن المنفصل ، كما أن رؤية المنة يحجب عن المنان.
(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥))
قال بعضهم : يوصل كل متحقق إلى ما يستحقه من مجالس القربة وسمو المنزلة.
قال الجوزجاني : من ندر عليه الفضل في السبق يوصله إلى ذلك عند إيجاده.
سئل أبو عثمان عن قوله : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)؟ قال : يحقق أماني من أحسن ظنه به.
قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) : (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من الخطرات ، (وَما يُعْلِنُونَ) من النظرات ، يعلم ما يسرون من أذكار القلوب ، وما يعلنون من الإخبار عن الغيوب ، يعلم ما يسرون من الحالات ، وما يعلنون من المعاملات ، وهو تعالى كسا أنوار جلاله فؤاد الصديقين ، فيرون بأبصار قلوبهم ما يجري في صدور الخلائق من المضمرات والخطرات ، كما يرون الظواهرات بعيون الظاهرة ، قال تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) ، وقال عليهالسلام : «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» (١).
قال قائلهم :
أبعيني أراك أم بفؤادي |
|
كلّ ما في الفؤاد بالعين باد |
قال فارس : (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من أحوالكم ، (وَما يُعْلِنُونَ) من أفعالكم ، وهو عالم بكم قبل أن خلقكم وأبدعكم.
وقال أيضا : الحركات على الجوارح ، والمشاهدة على الأسرار.
وقال بعضهم : ما يسرون من الإخلاص ، وما يعلنون من العبادات.
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨))
__________________
(١) رواه الترمذي (٥ / ٢٩٨).