(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١) فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤))
قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) : إنّ الله سبحانه وصف الممتحن الذي ذاق من طعم أحوال العارفين والمحبين والمريدين ، واقتحم في حظوظ النفس وظلمات هواها ، واحتجب بها عن مذاق مراتب الذاكرين والصالحين ، ولم يتدارك ما فاته من عمارة الأوقات ، وحراسة الأنفاس بقي في حجابه ، وألبس عن مدارك إخوانه ، وزاد خوضه في متابعة النفس ، ويكون هالكا مع الهالكين ، وكم من طائفة هلكوا في هذه الورطة ، ولم ينتعشوا.
قال قائلهم :
وكان لي مشرب يصفوا برؤيتكم |
|
فكدّرته الأيام حين صفا |
قال أبو سعيد الخراز : من أذيق حلاوة الذكر وصفاء السر ثم نزع منه من سنا المقامات والأحوال فليحكم لقلبه بالموت ، ولسره بالعمى عن طريق الهدي ؛ لذلك قال الله : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها) ، وهو محل القربة ، (ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) ، وهو حجاب النعمة.
ثم ذكر سبحانه وصف المتخلص من محن الفراق والناقة من مرض سم أفاعي القهر بمفرح الترياق إذا أدرك ما فاته ، وطلع عليه شمس العناية مشرق الكفاية ، وأقبل عليه أيام السعادة بعد ذهاب أيام الشقاوة بقوله : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ
__________________
ـ في المقام ، أو مستقرها في الفناء ، ومستودعها في البقاء ، أو مستقرها في التلوين ومستودعها في التمكين ، أو مستقرها في عالم الأشباح ، ومستودعها في عالم الأرواح.