وهنالك تسلب العبرات ، وهي أرواح ، فتقطر من العيون بتصاعدها ، فإذا نعق في ساحات هؤلاء غراب البين ارتفع إلى السماء نواح أسرارها بالويل.
ومن جملة ما قالوا في ذلك :
قولا لمن سلب الفؤاد فراقه |
|
ولقد عهدنا والمناح عناقه |
تفد الغراء فبالذي هو بيننا |
|
إلا وثبت لزدنا إزهاقه |
عهدي لمن جحد الهوى أرمان ما |
|
نور الصبابة لا يضيق نطاقه |
فالان مدخل الزمان يوصلنا |
|
ضاق البسيط فشأنه فعراقه |
هل ترتجي من وصل عزة رجعة |
|
تخفوا على قمر يدوم محاقه |
إن كان ذاك كما تريد فخازما |
|
فجر المسرّة أن يرى إشراقه |
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧))
قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) : أخبر الله سبحانه أهل الرياء والسمعة الذين لا يريدون من أعمالهم إلا الترفع والجاه والزينة والمال ، وهم عن الاخرة بها محجوبون ، ولو ذاقوا طعم رؤية الاخرة وجاء أهل المعرفة التفتوا إلى حظوظ أنفسهم ، ومع ذلك أعطاهم الله ما يحجبهم عنه في الدنيا والاخرة ، ولا تظن يا أخي أن العارف المتمكن إذا باشر الدنيا وزينتها هو من جملتهم ، إنه يريد الله برغبة المعرفة والشوق ، ويريد الدنيا للكفاف ، والعقاب يرزقه الله حياة حسنة طيبة بأنه يجعل الدنيا خادمة له ، فيجله في عين الخلق ، ويرفع هيبته في قلوب الناس ، قال الله : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً).
وقال عليهالسلام : «من أحسن فقد وقع أجره على الله في عاجل الدنيا وآجل الاخرة» (١) ، وليس كالمرائين الذين جعلهم الله محرومين من شرف الاخرة بقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا).
__________________
(١) هو من الأحاديث التي تفرد المصنف بذكرها في كتبه.