إلا بحقّ ، ولا يرى إلا بحق ؛ لأنه مستغرق في الحق ، فأنى له مرجع إلا إلى الحق ، ولا إخبار له إلا عنه.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢))
ولما وصف الله البينة وصدق الشاهد وصف المغالطين ومدعين مقامات أهل الولاية افتراء وزورا وبهتانا قال الله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) أي : ظالم أشد ظلما ممن يدّعي الولاية ، وكان في سابق الحكم كذّاب ، كأنه يريد نقض إبراهيم حكم الأزل الذي سبق بكفره وزوره وبهتانه ، وسبق بعنايته الأولياء والصديقين ، فظلمه من جهة كذبه على الله بإخراج نفسه على دعوى الولاية ، وهو كاذب ، وغرض هؤلاء المفسدين صرف وجوه الناس إليهم رياء وسمعة وجاها ، فيعرفهم الله لجميع الخلائق حين يعرضون على ربهم ؛ ليفضحهم ويكشف قبائحهم عند الخلق ، يوبخهم على رءوس الأشهاد بدعاويهم الباطلة ، فيشهد على كذبهم كل صادق في الحضرة ، ثم تبعدهم عن القرب والوصال إلى النار والوبال.
قال بعضهم : المفتري على الله من اتخذ أحوال السادات بدعوات لنفسه حالا ، وأظهر من نفسه مشاهده ما لا يشهده أولئك الذين يفضحهم الله في الدنيا بكذبهم ، فيطلع عليهم الذين يشهدون حقائق الأشياء ، فيقولون : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ؛ لأنهم أظهروا من الأحوال ما ليس لهم ، وتزينوا بالعواري من لباس السادة ، فهذه فضائحهم في مجالس أهل الحقيقة إلى أن يرجعوا إلى الفضيحة في مشهد الحق.
قوله تعالى : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) : لا يسمعون خطاب الحق بأسماع القلوب ، ولا يرون مشاهدة الحق بأبصار الأرواح ، وكيف يسمعون وما سبقت لهم في الأزل العناية ، وكيف يبصرون وليس لهم حظّ عن أنوار القربة ، وما تطلع من وجوه الصديقين والعارفين.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ