الأوصاف وصف المتحققين.
وقال القائل في هذا المعنى :
ليلي من وجهك شمس الضحى |
|
وأنس الصدفة في الجود |
الناس في الظلمة من ليلهم |
|
ونحن من وجهك في الضوء |
والجاهل الغاوي لا يسمع هواتف الإلهام ؛ بأن ليس له سمع الخاص ، ولا يبصر أنوار المعرفة بعوارضات البشرية ، ما أبين مثل الحق! حيث بيّن صريحا نعوت العارفين ، وجهل الجاهلين ، ثم استفهم عن أهل العقول استواء أهل الهمم أي : لا يستويان ، وكيف يستوي حال العارف بالله والجاهل بالله.
قال بعضهم : البصير من عاين ما يراد به ، وما يجري له ، وعليه في جميع أوقاته ، والسميع من يسمع ما يخاطب به من تقريع وتأديب وحثّ وندب لا يغفل عن الخطاب في حال من الأحوال.
وقيل : الأعمى الذي عمي رؤية الاعتبار ، والأصم الذي منع لطائف الخطاب ، والبصير الناظر إلى الأشياء بعين الحق فلا ينكر شيئا ، ولا يتعجب من شيء.
وقيل : السميع من يسمع من الحق ، فميز بذلك الإلهام من الوسواس.
وقال الجنيد : الأعمى هو الذي عمي عن درك الحقائق.
وقال الأستاذ : الأعمى من عمي أبصار رشده ، والأصم الذي طرش سمع قلبه ، فلا بالاستدلالات يشهد سر تقدير في أفعاله ، ولا بنور فراسته يتوهم ما وقف عليه من مكاشفات الغيب لقلبه.
وقال : البصير هو الذي يشهد أفعاله بعلم اليقين ، ويشهد صفاته بعين اليقين ، ويشهد ذاته بحق اليقين ، فالغائبات له حضور ، والمستورات له كشف ، والذي يسمع بصفته لا يسمع هواجس النفس ، ولا وساوس الشيطان ، فيسمع من دواعي العلم شرعا ، ثم خواطر التعريف قدرا ، ثم مكاشف الخطاب من الحق سرّا ، فهؤلاء لا يستويان ، ولا في الطريق يلتقيان ، وانظر ما قال الأستاذ :
وأنشد :
أيها المنكح الثّريّا سهيلا |
|
عمرك الله كيف يلتقيان |
هي شامية إذا ما استقلّت |
|
وسهيل إذا استقلّ يمان |
(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ