المعرفة والمحبة بين روحه وروحه في منازل الأول عند عبد الله ، وذلك أن في الأزلية لم يؤت الله ابنه أهلية عرفانه وإتقانه ، فقال : (لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) : ليس له ما أعطاك الله من المعرفة والرسالة والقربة : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) : أدّبه بألاتسأل إلا ما وافق القدر ، وكل دعاء لم يوافق مراد الله في سابق علمه لم يؤثر في مراد الداعي.
وقوله : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) أي : ليس عمله على موافقة السنة ، ثم وعظ وقال : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) : الجاهل من جهل قدر الله وقدر أهله أي : أنزهك عن سوء الأدب في السؤال على غير قاعدة مرادي ، وفيه تهديد لخواص العارفين ليكونوا على بساط الحق ، مجردين لخواطرهم عن الالتفات إلى غير الله ، وأن يكونوا في محل احتشام الله مستسلمين لمراده.
قال القاسم : الأهل على الوجهين : أهل قرابة ، وأهل ملة ، فنفى الله عنه أهلية الملة لا أهلية القرابة.
وقال بعضهم في قوله : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) : أما علمت أنّي قد أمضيت حال الشقاء والسعادة في الأزل ، ولا راد لحكمي وقضائي ، إنّي أعظك أن تجهل تلك الأحكام.
قال بعضهم في قوله : (إِنِّي أَعِظُكَ) : لما اشرف نوح عليهالسلام ابنه على الغرق قال : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) ، قال خصصت غلبك للدعاء دون سائر عبادي وابنك واحد منهم ، (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) : في أن يقضي حقك على خصوص ، ويمهل حقوق عباده بأجمعهم ، ثم رجع عليهالسلام إلى ساحة الكبرياء بسره المتضرع الحق ، ورجوعه من نفسه إليه بوصف الخنوع.
(قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١))