قلبه ، ودم القلب من ذبح الله إياه بسيف محبته ، وليس كذلك ، فإنّ دم المقتولين بسيف المحبة دم صدق يصدق صاحبه في عيون الصادقين.
قال عليهالسلام : «المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ، ومن كذب وقع كذبه في قلوب العوامّ» (١).
والعجب أن ما يطّلع عليه العوام كيف لا تطّلع عليه قلوب الأنبياء والصدّيقين ، هاجت طبيعتهم بسر الحسد ، فيتولد منه الكذبات والجنايات ؛ لأن مثل الحسد كالنار المخفية في الزبد ، فإذا خرجت يحترق العالم بها.
قال الحسين بن الفضل : لما كذبوا في إجداء الأمر بقولهم : (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) : رجعوا في آخر الحال عند الاعتذار إلى الكذب حين قالوا : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) : بيّن الله سبحانه بقوله : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) فراسة يعقوب عليهالسلام ، واطلاعه على أسرارهم في المكر ، وعرفهم سر مكائد نفوسهم ولم يعرفوها ، والأنفس هاهنا أسرار تقدير قهر الأزل ؛ أي أنتم مخدوعون بخداعكم ، وأنا لا أرى في البين غير سابق التقدير ، فألبس سربال الصبر الجميل في مراد الجليل ، والصبر الجميل ما يصبر به صاحبه بالله لا بنفسه بنعت شهود سره مشاهدة المقدر والمبتلى في بلائه تقديره.
قال تعالى : (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) ، وقال سبحانه : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) ، وتحقيق هذا الصبر سكون القلب بما يجري عليه الرب سبحانه بنعت ذوقه صفاء الذكر ، وإدراك رؤية المذكور ، وتحقيق ذلك قوله تعالى : (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) أي : استعانتي في بلائه وصبري به لا بغيره.
وأنشد الشبلي في حقائق الصبر :
عبرات خططن في الخدّ سطرا |
|
فقراء من لم يحسن يقرأ صابر الصبر |
فاستغاث به الصبر |
|
فصاح المحبّ بالصبر صبرا |
قال الحسين : الصبر الجميل السكون إلى موارد القضاء سرّا وعلنا.
وقال أيضا : الصبر الجميل تلقي المحنة بمشاهدة المنّة.
قال الحكيم الترمذي : الصبر الجميل أن يلقي العبد عنانه إلى مولاه ويسلّم إليه نفسه مع حقيقة المعرفة ، فإذا جاءه حكم من أحكامه ثبت له مسلّما بوارد الحكم ، ولا يظهر بورود حكمه جزعا بحال.
__________________
(١) رواه البخاري (٥ / ٢٠٠١) ، ومسلم (٣ / ١٦٨١).